وأيضا لا معنى لكون العقل يدل على وجوب المعرفة في الجملة من دون اطلاعه على وقت الوجوب، إذ لا ريب أنه يلزم من الحكم بوجوبها كونها واجبة في وقت الحكم والحاصل أنه لا يمكن العلم بوجوبها إلا بعد العلم بوقت وجوبها، فالوقت كما أنه ظرف لها فهو ظرف للوجوب أيضا.
وتوضيحه: إن العبد متى لاحظ هذه النعم عليه وعلم أن هناك منعما أنعم بها عليه أوجب على نفسه شكره عليها في ذلك الوقت، خوفا من أن يسلبه إياها لو لم يشكره، وحيث أنه لم يعرفه بعد يوجب على نفسه النظر في معرفته في ذلك الوقت ليمكنه شكره، فقد علم أنه يلزم من وجوب المعرفة بالعقل معرفة وقتها أيضا.
نعم ما ذكروه إنما يتم على مذهب الأشاعرة، حيث أن وجوب المعرفة عندهم سمعي.
فإن قلت: قوله صلى الله عليه وآله " رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ " (1) فيه دلالة على تحديد وقت وجوب المعرفة بالبلوغ الشرعي، لأن رفع القلم كناية عن رفع التكليف وعدم جريانه عليه إلى الغاية المذكورة، فقبلها لا يكون مكلفا بشئ، سواء كان قد عقل أم لا.
قلت: لا نسلم دلالته على ذلك، بل إن دل فإنما يدل على أن البلوغ الشرعي غاية لرفع التكليف مطلقا. وإن كان عقليا، فيبقى الدليل الدال على كون التكليف بالمعرفة عقليا سالما عن المعارض، فإنه يستلزم تحديد وقت وجوب المعرفة بكمال العقل، كما تقدمت الإشارة إليه.
والحاصل أن عموم رفع القلم مخصص بالدليل العقلي، وقد عرف العقل