وإن أرادوا به الخروج بحسب الظاهر، فمسلم (1) لكن لا ينفعهم، إذ الكلام فيما يتحقق به الإيمان عند الله تعالى بحيث يصير المتصف به مؤمنا في نفس الأمر، لا فيما يتحقق به الإسلام في ظاهر الشرع، حيث لا يمكن الاطلاع على الباطن.
ألا ترى أنهم كانوا يحكمون بكفر من ظهر منه النفاق بعد الحكم بإسلامه ولو كان مؤمنا في نفس الأمر لما جاز ذلك. وأما نفي الواسطة فهو مستقيم على أخذ الحكم في نفس الأمر، فلا دلالة لهم فيه.
والآية الكريمة أيضا يمكن تنزيلها على ما هو في نفس الأمر، فإن حال المكلف في نفس الأمر لا يخلو عن أحدهما.
وأما " جعل لا إله إلا الله " غاية للقتال، فلا يدل على أكثر من كونه للترغيب في الإسلام أيضا بسبب حقن الدماء، على أن النبي صلى الله عليه وآله ربما لا يطلع على بواطن الناس، فكيف يؤمر بالقتال على ما لا يطلع عليه.
[مذهب المعتزلة في الإيمان والجواب عنه] وأما أهل الثالث، وهم قدماء المعتزلة القائلون بأن الإيمان جميع الطاعات فرضا ونفلا، فمن أمتن دلائلهم على ذلك قوله تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيامة " (2).
والمشار إليه ب " ذلك " هو جميع ما حصر ب " الا " وما عطف عليه، والدين هو الإسلام، لقوله تعالى " إن الدين عند الله الإسلام " (3) والاسلام هو الإيمان