غير وكيل ولا مساعد يقوم بها، حتى أنه ما كان يعجبه تدبير أحد في أموره، ولا يقع على خاطره ترتيب مرتب لقصوره عما في ضميره.
ومع ذلك كله فقد كان غالب الزمان في الخوف الموجب لإتلاف النفس والتستر والاختفاء الذي لا يسع الانسان معه أن يفكر في مسألة من الضروريات البديهية، ولا يحسن أن يعلق شيئا يقف عليه من بعده من ذوي الفطن النبيهة.
وسيأتي انشاء الله تعالى في عد تصانيفه ما ظهر عنه في زمن الخوف من غزارة العلوم المشبهة بنفائس الجوهر المنظوم.
وقد برز عنه مع ذلك من التصنيفات والأبحاث والتحقيقات والكتابات والتعليقات ما هو ناش عن عين فكر صاف وعارف من بحار علم واف، بحيث إذا فكر من تفكر في الجمع بين هذا وبين ما ذكرنا تحير، وهذه فضيلة يشهد له بها كل من كان له به أدنى مخالطة، ولا يمكن لأحد فيها مغالطة.
ومن الشاهد الواضح البين أن الواحد منا مع قلة موانعه وتعلقاته وتوفر دواعيه وأوقاته لو بذل الجهد في استقصاء كتابة مصنفاته وما برز من تحقيقاته فما - رأينا أحدا من أصحابه - استقصاها ولا بلغ منتهاها، وكفاه بذلك نيلا وفخرا.
وأما شكله فقد كان ربعة من الرجال في القامة معتدل الهامة، وفي آخر أمره كان إلى السمن أميل، بوجه صبيح مدور، وشعر سبط إلى الشقرة ما هو مع سواد العينين والحاجبين، وكان له خال أحد خديه وآخر على أحد جبينيه، وبياض اللون ولطافة الجسم، عبل الذراعين والساقين، كأن أصابع يديه أقلام فضة.
إذا نظر الناظر في وجهه وسمع عذوبة لفظه لم تسمح نفسه بمفارقته، وتسلى عن كل شئ بمخاطبته، تمتلي العيون من مهابته، وتبتهج القلوب لجلالته، وأيم الله إنه لفوق ما وصفت، وقد اشتمل من حميد الخصال على أكثر مما ذكرت