ومنها: ما عدوه عمدة في هذا المطلب إجماع الصحابة، حتى جعلوا ذلك من أهم الواجبات واشتغلوا به عن دفن الرسول صلى الله عليه وآله.
وقد روي أنه توفي النبي صلى الله عليه وآله خطب أبو بكر فقال: أيها الناس من كان يعبد محمدا، فإن محمدا صلى الله عليه وآله قد مات، ومن كان يعبد رب محمد، فإنه حي لا يموت، لا بد لهذا الأمر ممن يقوم به، فانظروا فأتوا آراء كم رحمكم الله، فتبادروا من كل جانب وقالوا: صدقت لكنا ننظر في هذا الأمر، ولم يقل أحد منهم أنه لا حاجة إلى الإمام.
أقول: أما الدليل الأول، فإنا نقول بموجبه، لكنه لا يدل ما ادعوه من كون وجوب نصب الإمام سمعيا، بل إن دل فإنما يدل على أن من مات ولم يعرف إمام زمانه، أي: الذي يثبت إمامته في زمانه، والثبوت أعم من كونه سمعيا، فلا يدل على مدعاهم.
بل فيه دلالة على أن ميتة هؤلاء ميتة جاهلية من حيث لا إمام لهم معروف عندهم بعد الأربعة السابقين، كما تقدمت الإشارة إليه، هذا شأن من ضل عنه ما كان لعثرته (1) ينطق لسانه بالحق مع ضلال قلبه عن الهدى.
وأما الثاني، فلا يتم الاستدلال به على مذهبهم، لأنه مبني على أن مقدمة الواجب واجبة، المبني على عدم جواز تكليف ما لا يطاق، المبني على الحسن والقبح العقليين، وهم لا يقولون به.
إن قلت: لعل غرضهم بذلك إلزام الخصم، فيكون دليلا جدليا لا برهانيا.
قلت: هذا مع كونه خلاف الظاهر من مقام استدلالهم على هذا المطلب، فهو منقلب عليهم، إذ جميع ما ذكروه من إقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش وغيرها، لا ريب في كونها ألطافا في حفظ بيضة الإسلام وتقوية شوكته.