أقول: ما تقدم من تعريف الكفر بأنه عدم الإيمان عما من شأنه أن يكون مؤمنا يقتضي الحكم بكفرهما حالة النظر، لصدق عدم الإيمان عليهما في تلك الحالة، وهذا مشكل جدا، لأنه يقتضي الحكم بكفر كل أحد أول كمال عقله الذي هو أول وقت التكليف بالمعرفة، لأنه أول وقت إمكان النظر، إذ النظر قبله لا عبرة به، ويقتضي أن يكون من أدركه الموت في تلك الحالة مخلدا في جهنم.
ولا يخفى بعد ذلك عن حكمة الله تعالى وعدله، ولزوم: إما تكليف ما لا يطاق إن عذبه على ترك الإيمان، حيث لم يمض له وقت يمكن تحصيله فيه قبل الموت كما هو المفروض، أو الظلم الصرف إن لم يقدر على ذلك، تعالى الله عن ذلك، إذا لم يسبق له اعتقاد ما يوجب الكفر، كما هو المفروض أيضا، ليكون التعذيب عليه. ويلزم من ذلك القدح في صحة تعريف الكفر بذلك.
اللهم إلا أن يقال: إن مثل هذا النوع من الكفر لا يعذب صاحبه، لكن لا يلزم منه القدح في الإجماع على أن كل كافر مخلد في النار، وليس بعيدا التزام ذلك. وأن يكون المراد من الكافر المخلد من كان كفره عن اعتقاد، فيكون الإجماع مخصوصا بمن عدا الأول.
إن قلت: إن لم يكن هذا الشخص من أهل النار، يلزم أن يكون من أهل الجنة، إذ لا واسطة بينهما في الآخرة على المذهب الحق، فيلزم أن يخلد في الجنة من لا إيمان له أصلا كما هو المفروض، وهو مخالف لما انعقد عليه الإجماع من أن غير المؤمن لا يدخل الجنة.
قلت: يجوز أن يكون إدخاله الجنة تفضلا من الله تعالى كالأطفال، ويكون الإجماع مخصوصا بمن كلف الإيمان ومضت عليه مدة كان يمكنه تحصيله فيها فقصر.