الثالث: المقلد لا يقلد إلا ظن المجتهد، فإذا مات مات ظنه.
الرابع: هو أن الإجماع منعقد على وجوب تقليد الأعلم الأورع من المجتهدين والوقوف لأهل هذا الزمان على الأعلم الأورع كاد أن يكون ممتنعا.
الخامس: إذا وجد للفقيه في مسألة قولان إنما يجوز تقليده في القول الأخير وأكثر المسائل يختلف قول الفقيه الواحد فيها، ولا يكاد يفرق بين القول الأول والأخير إلا نادرا، فيتعذر الرجوع من هذا الوجه أيضا. هذه أدلة الطرفين على ما وصل إلينا، والرد والقبول مرجوع إليك فانظر ماذا ترى.
وأقول: والحق أن هنا مقامين: أحدهما - الفتوى والحكم بقول الميت.
والثاني: العمل به. أما الأول فلا نزاع لأحد منا في عدم جوازه.
قال العلامة قدس سره: لا يحل الحكم والفتوى لغير جامع الشرائط، ولا يكفيه فتوى العلماء لا تقليد المتقدمين، لأن الميت لا يحل تقليده انتهى.
وأما الثاني فبعد ما مر معك من أدلة النافين ودعوى الإجماع ونقله أقول: لا شك أن قولك " يجوز العمل بقول الميت " مسألة شرعية، فإن كنت مقلدا فيها فيجب عليك إسنادها إلى مجتهد معين عادل، فمن لا يجوز أنه كما عرفت من شرائط التقليد إذ تقليد الميت لو لم يكن أكثر شروطا وأضيق من تقليد الحي، فلا أقل من أن يكون مساويا في الشرائط.
فلا يجوز العمل بمجرد الاحتمال بأنه قول المجتهد، ولا الإسناد إلى مجهول الحال، بل لا بد من معرفة حاله من حيث الاجتهاد والعدالة، وكونه أعلم وأورع من مخالفيه. وإن كنت مجتهدا فيها، فقد خرجت عن موضع المسألة، إذ الخلاف فيما لم يوجد مجتهدا.
هذا وقد تبين من هذه المباحثات أنه لا يجوز خلو الزمان عن المجتهد، وإلا لضاعت الشريعة واختلت الأحكام.