الباب الرابع (في بيان كيفية معرفة الصانع) وذلك أنه من تأمل في نفسه يجدها بالبديهة ممكنة حادثة محتاجة إلى علة فيجزم بأن لها موجدا، إذ البديهة شاهدة بأن الشئ ما لم يوجد. وإليه أشار أمير المؤمنين عليه السلام " إن من عرف نفسه فقد عرف ربه (1) " وقال الصادق عليه السلام حين سئل ما لدليل على أن للعالم صانعا؟ أكثر الأدلة في نفسي، لأني وجدتها لا تعدوا أحد أمرين: إما أن أكون خلقتها وأنا معدوم، فكيف يخلق لا شئ؟ فلما رأيتهما فاسدين من الجهتين علمت أن لي صانعا ومدبرا (2).
صدق ولي الله.
أقول: ولذلك ترى العلماء يقولون: إن العقل مستقل بمعرفة المبدء دون المعاد.
فإن قلت لنا: إن الممكن يدل على وجوب علته، فمن أين جزمتم بأن ذلك الموجود هو الواجب الوجود؟ لم لا يجوز أن يكون علته وموجده أمرا ممكنا؟
قلت: هذه شبهة، والعقلاء بالنظر إليها على ستة أقسام:
القسم الأول: من لم يخطر هذا بباله، لصفاء خاطره، وتوقد ذكائه، واستقامة طبعه.
القسم الثاني: من لا يخطر بباله لفرط محبته وكثرة مؤانسته وألفه بمطلوبه إذ ليس كل عائق للحركة عائقا لكل متحرك، وهذا هو حال أكثر المؤمنين.
القسم الثالث: من يخطر بباله لكن لا يقدح في جزمه وإذعانه، كالعلوم