الثاني في بيان معنى الدليل الذي يكفي في حصول المعرفة المحققة للإيمان عند من لا يكتفي بالتقليد في المعرفة إعلم أن الدليل بمعنى الدال، وهو لغة: للمرشد، وهو الناصب للدليل كالصانع، فإنه نصب العالم، دليلا عليه، والذاكر له كالعالم، فإنه دال بمعنى أنه يذكر كون العالم دليلا على الصانع، ويقال لما به الإرشاد كالعالم، لأنه بالنظر فيه يحصل الإرشاد، أي: الاطلاع على الصانع تعالى.
واصطلاحا: هو ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري (1) وهذا يشمل الإمارة، لأنها توصل بالنظر فيها إلى الظن بمطلوب خبري (2)، كالنظر في الغيم (3) الرطب في فصل الشتاء، فإن التأمل فيه يوجب الظن بنزول المطر فيه.
وقيل: أنه ما يمكن التوصل به إلى العلم بمطلوب خبري (4)، فلا يشمل الأمارة. وهذان التعريفان للأصوليين.
وقوله " ما يمكن " يشمل ما نظر فيه بالفعل وأوجب المطلوب وما لم ينظر فيه بعد، فالعالم قبل النظر فيه دليل على وجود الصانع عند الأصوليين دون المنطقيين حيث عرفوه بأنه قولان فصاعدا يكون عنهما قول آخر.
وهذا يشمل الأمارة وقيل: قولان فصاعدا يلزم عنه لذاته قول آخر، وهذا لا يشمل الأمارة فالدليل عندهم إنما يصدق على القضايا المصدق بها حالة النظر فيها أي: ترتيبها، لأنها الحالة التي تكون فيه أو يلزم منها قول آخر.