قلت: إنما أمرهم أمرا إرشاديا، بأن يخبروا بالاسلام الظاهري، وهو بأسره (1) في الظاهر، فلم يكن مغريا لهم بالكذب، حيث لم يأمرهم يخبروا بأنهم مسلمون عند الله بالاسلام مطلقا، وقد تقدم ما يصلح دليلا لما ادعيناه من التخصيص.
على أنه يمكن أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى لم يأمرهم بالاخبار أصلا لا ظاهرا ولا غيره، بل أمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يأمر هم حيث قال تعالى له: " قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " (2) أي: ولكن قل لهم قولوا أسلمنا.
فالأمر لهم بقول " أسلمنا " إنما هو من النبي صلى الله عليه وآله لا من الله تعالى، لما تقرر في الأصول من أن الأمر بالأمر بالشئ ليس أمرا بذلك الشئ.
واحتج أهل المذهب الثالث على كل من جزئي مدعاهم، أما على أن الإسلام أعم في الحكم، فبآية الأعراب المتقدمة، والتقريب ما تقدم.
لكن لا يرد عليهم شئ مما أوردناه على استدلال أهل المذهب الثاني بها، لأنهم يدعون دلالتها على مغايرة الإسلام للإيمان حقيقة، وهؤلاء (3) يدعون المغايرة في الحكم ظاهرا دون الحقيقة.
بل ما ذكرناه من الايرادات محقق لاستدلالهم بها، إذ لا يتم لهم بدونه، كما لا يخفى على من أحاط بما ذكرناه في بيان معنى هذه الآية مما من به الواهب الكريم إن قلت: إن الشارع حكم بإيمان من أقر بالمعارف الأصولية ظاهرا، وإن كان في نفس الأمر غير معتقد لذلك، إذا لم يطلع عليه على حد ما ذكرتم في الإسلام، فكما أن الإيمان والاسلام الاعتقاديين متحدان، فكذا الظاهريان، فما