أنه إذا فرض حصول جميع ما يتوقف عليه الحكم، جاز الاستدلال عليه والاجتهاد فيه، ولا يحتاج إلى الاطلاع بدليل الأحكام الآخر.
ولا شك في صحة هذين المعنيين بل في وقوعهما، فالقول بأنه يحتمل أن يكون للمسألة تعلق بشئ آخر باطل، لأن المفروض حصول جميع ما يتوقف، مع أن الاحتمال هنا لا يقدح في الاجتهاد، إذ مناطه على الأمارات، فلو كان الاحتمال مانعا له لا نسد بابه.
بل الحق أن الواقع منه ليس إلا التجزئة، إذ الاطلاع مآخذ جميع الأحكام الجزئية عسى أن يكون من المحالات العادية، ولذا نشاهد مثل المحقق والعلامة قدس سرهما يتوقفان في كثير من الأحكام.
فالنافي: إن أراد أن الملكة المعتبرة فيه لا تقبل الشدة والضعف، فهو خلاف الوجدان وإن أراد أن الاجتهاد في بعض الأحكام مع حصول جميع أسبابه غير جائز للاحتمال المذكور فقد عرفت بطلانه فلا نعيده.
وإن أراد أن أقل ما هو الواجب في حقيقة الاجتهاد من القوة والملكة لا تقبل الزيادة والنقصان فلا تنازع لأحد، إلا أن مرادنا بالتجزئة غير هذا المعنى لما بينا.
ومما يدل على التجزئة من الأخبار والروايات ما رواه سالم بن مكرم الجمال، وهو قول أبي عبد الله عليه السلام: أيا كم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا فإني جعلته عليكم قاضيا فتحاكموا إليه (1). وكذا يدل عليه خبر عمر بن حنظلة (2) السابق.