وطريق الجمع بينهما حينئذ حمل ما في حديث الجوارح من الزيادة عن ذلك على مرتبة الكمال كما بيناه سابقا.
[التوسعة في حقيقة الإيمان] وهاهنا بحث: وهو أن حقيقة الإيمان لما كانت من الأمور الاعتبارية للشارع كان تجديدها إنما هو بجعل الشارع وتقريره لها، فلا يعلم حينئذ مقداره وحقيقته إلا منه.
وحيث رأينا ما وصل إلينا من خطاباته تعالى غير قاطع في الدلالة على تعيين قدر مخصوص من أنواع الاعتقادات والأعمال، بحيث يشترك الكل في التكليف به من غير تفاوت بين قوي الادراك وضعيفه، بل رأيناها متفاوتة في الدلالة على ذلك يعلم ذلك من تتبع آيات الكتاب العزيز والسنة المطهرة. وقد سبق نبذة من ذلك.
ولا يجوز الاختلاف في خطاباته، ولا أن يكلف عباده بأمر لا يبين لهم مراده تعالى منه، لاستحالة تكليف ما لا يطاق وإخلاله باللطف، ورأينا الأكثر ورودا في كتابه بذلك الأمر بالاعتقاد القلبي من غير تعيين مقدار مخصوص بقاطع يوقفنا على اعتباره.
أمكن حينئذ أن يكون مراده منه مطلق الاعتقاد العلمي، سواء كان علم الطمأنينة، أو علم اليقين، أو حق اليقين، أو عين اليقين، فيكون حقيقة واحدة، وهو الاذعان القلبي والاعتقاد العلمي، والتفاوت بالزيادة والنقصان إنما هو في أفراد تلك الحقيقة ومن مشخصاتها، فلا يكون داخلا في الحقيقة المذكورة.
وما ورد مما ظاهره الاختلاف في الدلالة على مراد الشارع منه، يمكن تنزيله على تفاوت الأفراد المذكورة، كعلم الطمأنينة وعلم اليقين وغيرها، فيكون كل واحد منهما مرادا وكافيا في امتثال أمر الشارع، وهذا هو المناسب لسهولة التكليف واختلاف طبقات المكلفين في الادراك كما لا يخفى.