والأحاديث دليل، والنظر فيها مع فهم الأحكام اجتهاد واستدلال.
ولا يعتبر في مفهومه الاصطلاحي تعب ومشقة، كما يعتبر في مفهومه اللغوي.
فقد ظهر أنه عبارة عن الفكر والنظر في الأدلة الشرعية التي لا يكون عليها دليل قاطع لتحصيل ظن بحكم شرعي فرعي. وهذا هو المستفاد منها يكون أعم مما قررناه، لأنه شامل لفهم المنصوصات.
فالقول بأنه استفراغ الفقيه وسعه في تحصيل ظن بحكم شرعي لا أصل له في الشرع، إذ لو فسر الفقيه الواقع في التعريف بالمجتهد يكون دوريا، وإن فسر بالناظر في الأدلة الشرعية فهو راجع إلى ما قررناه، وإن فسر بمعنى آخر فعلى المعرف البيان.
وهذا التعريف الصادر عن بعض العلماء صار منشأ لتوهم أن من لم يكن فقيها ولا مجتهدا لا يعتبر نظره ولا فكره واستنباطه للأحكام.
وأنت خبير بأن المتوهم إن كان مراده بالمجتهد هو صاحب القوة الفكرية والملكة الاستدلالية، فقد عرفت أنهما طبيعتان للانسان، وإن كان مراده هو المجتهد بالمعنى الثاني، أي: المستدل المستنبط للأحكام بالفعل، فيشكل بالمرتبة الأولى من الاستدلال والاجتهاد.
فظهر أن المكلف قسمان: عالم قادر على فهم الأحكام، وعاجز عنه كالعوام ومن صرف عمره في سائر العلوم الدينية الشرعية.
والضابط في القدر المعتبر منها: ما يتمكن به من فهم بعض الأحكام، وحصول هذه المرتبة في غاية السهولة. ولذا ترى أن بعض العلماء كالحليين حكموا بوجوبه العيني على كافة المكلفين.