وأما احتمال الخطأ في النظر، فإنه وإن أمكن إلا أنه نادر جهدا بالقياس إلى الخطأ في النقل، فكان النظر أرجح، وقد بينا أن العمل بالأرجح واجب.
وأجيب عن الثاني: أولا بالمنع من كونها أغمض أدلة، بل الأمر بالعكس لتوقف الشرعيات على العقليات عملا وعلما.
وثانيا بالمنع من الملازمة، فإن كونها أغمض أدلة لا يستلزم جواز التقليد فيها فضلا عن كونه أولى، لأن المطلوب فيها اليقين، بخلاف الشرعيات، فإن المطلوب فيها الظن اتفاقا.
ومن هذا ظهر الجواب عن الثالث.
واحتجوا أيضا: بأن هذه العلوم إنما تحصل بعد الممارسة الكثيرة والبحث الطويل، وأكثر الصحابة لم يمارسوا شيئا منها، فكان اعتقادهم عن تقليد.
وأجيب: بأنهم لمشاهدتهم المعجزات وقوة معارفهم بكثرة البينات من صاحب الوحي عليه السلام لم يحتاجوا في تيقن تلك المعارف إلى بحث (1) كثير في طلب الأدلة عليها.
أقول: ومما يبطل به مذهب القائلين بالتقليد أنه إما أن يفيد العلم أو لا، فإن أفاده لزم اجتماع الضدين فيما لو قلد واحدا في قدم العالم وآخر في حدوثه، وهو ظاهر. وإن لم يفده وجب ترجيح النظر عليه، إذ من المعلوم ضرورة أن النظر الصحيح يفيد العلم، فإذا ترجح النظر عليه وجب اعتباره وترك المرجوح إجماعا.
وأقول: مما يدل على اعتبار اليقين في الإيمان أن الأمة فيه على قولين: قول باعتبار اليقين فيما يتحقق به الإيمان. وقول بالاكتفاء بالتقليد أو ما في حكمه فإذا انتفى الثاني بما ذكرناه من الأدلة ثبت الأول.
وأقول: أيضا مما يصلح شاهدا على ذلك قوله تعالى " قالت الأعراب آمنا