فالكل راجع إلى كمال الذات المقدسة وغنائها، لكن لما كانت عقول الخلق متفاوتة في الاستعداد حتى أنها تدرك كثرة عظيمة متى اطلعت على كثرة صفاته الجميلة، كما هو الواقع في المشاهد لوحظت هذه الصفات والاعتبارات، ليتوصل بها الخلق إلى معرفة خالقهم على حسب استعدادهم.
ثم إنه قد ينكشف عليهم بسببها أنوار كبريائه عند الإحاطة بحقائقها، وأنها ليست إلا اعتبارات، فلا يجدون في الوجود إلا ذاتا واحدة واجبة مقدسة، كما أشار إليه علي عليه السلام بقوله: وتمام توحيده نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنها غير الصفة (1). وحينئذ فلا حرج في اختلاف الاعتبارات (2) في تعداد هذه الصفات، فإن الغرض منها تقريب معرفة الواحد تعالى إلى أفهام أهل التوحيد.
الأصل الثاني (التصديق بعدله) أي: بأنه عادل. والتصديق بحكمته أي: بأنه حكيم.
والمراد بالعدل المنسوب إليه تعالى، بحيث صار باعتباره عادلا ما قابل الظلم والجور. وبكونه عدلا أنه لا يفعل القبيح، ولا يخل بالواجب الذي أو جبه على نفسه تعالى من الألطاف الخفية الراجعة إلى بريته.
ويترتب على اعتقاد كونه تعالى عدلا لا يفعل القبيح اعتقاد أنه لا يرضى به فما يصدر عنا من القبائح، مستند إلى قدرتنا واختيارنا وإيجادنا الفعل بهما مع إرادتنا وإن كانت القدرة من فعل الله تعالى فإنها آلة، وفاعل الآلة ليس فاعلا لما يصدر بواسطتها.