وإنما حكم الشارع بإسلامه ظاهرا في صورة عدم علمنا بموافقة قلبه للسانه بالنسبة إلينا، تسهيلا ودفعا للحرج عنا، حيث لا يعلم السرائر إلا هو.
وأما عنده تعالى، فالمسلم من طابق قلبه لسانه، كما قال تعالى " إن الدين عند الله الإسلام " (1) مع أن الدين لا يكون إلا مع الاخلاص، لقوله تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " إلى قوله تعالى " وذلك دين القيامة " (2).
فالاسلام لا يكون إلا مع الاخلاص أيضا، بقرينة أنه ذكر الإسلام معرفا، وذلك يفيد حصر الإسلام في الدين المخلص.
فكان المعنى - والله أعلم - لا إسلام إلا ما هو دين عند الله تعالى، كما يقال: زيد العالم. أي: لا غيره. والفرق ظاهر بين أن يقال: الدين المخلص إسلام (3) أو هو الإسلام كما قررناه، فعلم أن الإسلام باللسان (4) ليس داخلا في حقيقة الإسلام عند الله تعالى.
والكلام إنما هو فيما يعد إسلاما و إيمانا عند الشارع لا عندنا، بحيث لا يجتمع مع ضده الذي هو الكفر في موضع واحد في زمان واحد، والاقرار باللسان دون القلب يجامع الكفر، فلا يكون إسلاما حقيقة، ولعل هذا هو السر في إحالة الإخبار بالاسلام على قول الأعراب دون قوله تعالى، كما أشرنا إليه سابقا.
إن قلت: إذا لم يكن إسلام الأعراب إسلاما عند الله تعالى كان مغريا لهم بالكذب، حيث أمرهم أن يخبروا عن أنفسهم بالاسلام، فقال: " قولوا أسلمنا " وهو محال عليه تعالى.