فلا بد في كل عصر بل في كل قطر ممن يرفع الناس إليه في الفتوى والحكم ولا يجوز للمقلد مباشرتهما بالاجماع، ولا واسطة بينهما بالاتفاق.
والقول بأن عدول المؤمنين يقومون مقام المجتهدين قول لا أصل له في الشريعة لأنهم إن كانوا جاهلين بالأحكام فلا يجوز اتباعهم، وإن كانوا عارفين بها، فإن كانوا مجتهدين فيكفي واحد ولا حاجة إلى الإجماع مع أن المفروض عدمه.
وإن كانوا مقلدين، فقد عرفت حالهم من أنه لا يجوز لهم الحكم والفتوى بالاجماع ولا تأثير للاجماع، إذ لا بد له من دليل، وإلا فلا اعتبار به مع أن الأصل هو العدم.
الباب الثاني عشر (فيه موعظة حسنة لمن كان ير جو الله واليوم الآخر) أقول: من آمن بالله فليتق الله من الجدال والخلاف، فإن الخصومات تفسد النية وتمحق الدين.
فاعلم أنه يجب على كل مكلف أن يسعى في تحصيل معرفة ما كلف به: إما بطريق الاستدلال، وهو المسمى بالاجتهاد. وإما بطريق السؤال، وهو كما قال:
سبحانه " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " (1).
ومن لم يكن أهلا للأول، فليكن طالبا لتحصيل من هو أهل له. وإذا سمع من يدعي الاجتهاد وهو جالس بملا من الناس يستفتون منه، فإنه يصح له الأخذ والاستفتاء منه بمجرد هذه الحالة المذكورة، وإن كان من أهل العلم والتمييز فلا بأس بالمباحثة اللطيفة المطلعة على حاله.
ولا يتوهم أن المجتهد لما كان نائبا للإمام، فلا بد أن يكون ممن له شرف ونسب