وأبديته وعلمه و قدرته وحياته إلى غير ذلك من الصفات أمور يستحيل تغيرها، وكذا كونه تعالى عدلا لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب.
وكذا النبوة والمعاد، فإذا علمها الشخص على وجه اليقين والثبات بحيث صار علمه بها كعلمه بوجود نفسه، غير أن الأول نظري والثاني بديهي، لكن لما كان النظري إنما يصير يقينيا بانتهائه إلى البديهي ولم يبق فرق بين العلمين، امتنع تغير ذلك العلم وتبدله، كما يمتنع تغير علمه بوجود نفسه.
والحاصل أن العلم إذا انطبق على المعلوم الحقيقي الذي لا يتغير أصلا فمحال تغيره، وإلا لما كان منطبقا، فعلم أن ما يحصل لبعض الناس من تغيير عقيدة الإيمان لم يكن بعد اتصاف أنفسهم بما ذكرناه من العلم.
بل كان الحاصل لهم ظنا غالبا بتلك المعلومات، لا العلم بها، والظن يمكن تبدله وتغيره، وإن كان المظنون لا يمكن تبدله، لأن الانطباق غير حاصل وإلا لصار علما.
إن قلت: يتصور زوال الإيمان بصدور بعض الأفعال الموجبة للكفر كما تقدم وإن بقي التصديق اليقيني بالمعارف المذكورة، فقد صح أن المؤمن قد يكفر بعد اتصافه بالإيمان.
قلت: لا نسلم إمكان صدور فعل يوجب الكفر ممن اتصف بالعلم المذكور بل صار ذلك الفعل ممتنعا بالغير الذي هو العلم اليقيني وإن أمكن بالذات، وحينئذ فصدور بعض الأفعال المذكورة إنما كان لعدم حصول العلم المذكور.
وبالجملة فكلام علم الهدى ومذهبه هنا رحمه الله في غاية القوة والمتانة بعد تدقيق النظر.
وقد ظهر مما حررناه أن القائلين بإمكان زوال الإيمان بعروض الكفران أرادوا به إمكان زوال العلم بالأمور المذكورة، فظاهر أنه ممتنع بالذات كانقلاب الحقائق.