فلما أشعرت منه بذلك كنت أذهب معه بغير اختياره، وكنت أستفيد من فضائله، وأرى من حسن شمائله ما يحملني على حب ملازمته وعدم مفارقته.
وكان يصلي العشاء جماعة ويذهب لحفظ الكرم ويصلي الصبح في المسجد، ويجلس للتدريس والبحث كالبحر الزاخر، ويأتي بمباحث عقل عنها الأوائل والأواخر.
ولعمري لقد اشتمل على فضيلة جميلة ومنقبة جليلة، تفرد بها عن أبناء جنسه وحباه الله بها تزكية لنفسه، وهي أنه من المعلوم البين أن العلماء رحمهم الله لم يقدروا على أن يرجوا أمور العلم، وينظموا أحواله.
ويفرغوه في قالب التصنيف والترصيف، حتى يتفق لهم من يقوم بجميع المهمات ويكفيهم كل ما يحتاجونه من التعلقات، ويقطع عنهم جميع العلائق.
ويزيل عنهم جميع الموانع والعوائق: إما من ذي سلطان يسخره الله لهم أو ذي مروة وأهل خير يلقى الله في قلبه قضاء مهماتهم، لئلا يحصل الاخلال باللطف العظيم.
ويتعطل السلوك إلى المنهج القويم، ومع ذلك كانوا في راحة من الخوف بالأمان وفي دعة من حوادث الزمان، ولكل منهم وكلاء قوامون بمصالح معيشتهم ونظام دنياهم، بحيث لا يعرفون إلا العلم وممارسته.
ولم يبرز عنهم من المصنفات في الزمان الطويل إلا القليل ومن التحقيقات إلا اليسير، وإن كان بعضهم خارجا عما ذكرنا، فلا غرو ما كان فيه شيخنا الشهيد من تمام التوفيق الموصل إلى غاية مدارك التحقيق.
وكان شيخنا المذكور روح الله روحه معنا عرفت بتعاطي جميع مهماته بقلبه وبدنه، حتى لو لم تكن إلا مهمات الواردين عليه ومصالح الضيوف المترددين إليه، مضافا إلى القيام بأحوال الأهل والعيال ونظام المعيشة، واتقان أسبابها من