فأخبروا عن أنفسهم بالإيمان وهم من أهل اللسان، مع أن الواقع منهم هو الاعتراف باللسان دون الجنان، لنفيه عنهم بقوله تعالى " قل لم تؤمنوا ".
وإثبات الاعتراف بقوله تعالى " ولكن قولوا أسلمنا " الدال على كونه إقرارا بالشهادتين، وقد سموه إيمانا بحسب عرفهم، والذي نفاه الله عنهم إنما هو الإيمان في عرف الشرع.
إن قلت: يحتمل أن يكون ما أدعوه من الإيمان هو الشرعي، حيث سمعوا أن الشارع كلفهم بالإيمان، فيكون المنفي عنهم هو ما ادعوا ثبوته لهم، فلم يبق في الآية دلالة على أنهم أرادوا اللغوي.
قلت: الظاهر أنه في ذلك الوقت لم تكن الحقائق الشرعية متقررة عندهم، لبعدهم عن مدارك الشرعيات، فلا يكون المخبر عنه إلا ما يسمونه إيمانا عندهم، وقوله تعالى " آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم (1) " وقوله تعالى " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (2) ".
وجه الدلالة في هذه الآيات أن الإيمان في اللغة: التصديق، وقد وقع في الأخبار عنهم أنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم، فيلزم صحة إطلاق التصديق على الاقرار باللسان وإن لم يوافقه الجنان.
وعلى هذا فيكون المنفي هو الإيمان الشرعي أعني القلبي، جمعا بين صحة النفي والاثبات في هذه الآيات.
لا يقال: هذا الإطلاق مجاز، وإلا لزم الاشتراك، والمجاز خير منه.
لأنا نقول: هو من قبيل المشترك المعنوي لا اللفظي، ومعناه قبول الخبر