وجاه قياسا على نائب سلاطين الدنيا، إذ القياس باطل وهذا وهم فاسد لا أصل له في الشريعة.
لأنه لو اجتهد عبد قن لا ينعتق وتجب عليه خدمة مولاه وصار ذا رأي يحب على مولاه قبول قوله في المسائل الشرعية وإن كان سلطانا، كما يجب على السلطان قبول شهادة من رأى الهلال وإن كان أفقر الناس وأحقرهم، وكذا الحال في الراوي.
فظهر أن وجوب الاتباع في أمر شرعي لا يدل على شرف المتبوع على التابع مطلقا، ولا على تقديمه عليه من كل جهة.
ولأجل هذا الخيال الباطل والوهم الفاسد كل من يدعي الاجتهاد منهم يجب الرئاسة والتقدم على العامة والخاصة، ولذلك صعب قبول اتباعه على النفوس الأبية، وشق الانقياد على البرية، فانسد باب الاجتهاد واختلف أحوال العباد، فتعطل الأحكام وضاع الإسلام.
فلو أنصف كل من المدعي والمنكر صاحبه من أنفسهما وعرفا قدر هما ولم يتجاوزا طورهما، كان الواجب على المنكر ترك العناد شفقة على نفسه وسائر العباد، وشكر المدعي إن كان صادقا في دعواه ودعى له إن كان مصيبا فيما أدعاه لأنه سبب لسقوط هذه المشقة العظمى عن غيره، ومخرج له عن تلك المهلكة الشديدة العامة البلوى، وهذه نعمة عظيمة وشكر المنعم غنيمة.
ويجب على المدعي أيضا ترك ما لا يليق بأمثاله وإصلاح حاله، وليتلطف ويتواضع ويتزهد عن الدنيا الدنية، كما هو عادة الصلحاء والأتقياء والزهاد، إذ هذه سيرة الأنبياء وشيمة الأولياء، فالذي يدعي نيابتهم ناسب أن يشابههم في بعض صفاتهم وأخلاقهم وأفعالهم.
ويجب أن يكون ملازما للتقوى والمروة، إذ لا يجوز العمل بقول غير العادل.