نصب النبي صلى الله عليه وآله أئمة عليهم الصلاة والسلام لتبليغ الأحكام وحفظ الإسلام.
إلى أن انتهى الأمر إلى صاحب الأمر صلوات الله وسلامه وعجل الله فرجه، واقتضت المصلحة الإلهية والحكمة الخفية اختفاء ه، فنصب نائبا بعد نائب للتوسط بينه وبين الرعايا في تبليغ الحكم، ثم انقرضوا بانقراض آخرهم، وهو علي ابن محمد السمري (1)، فانقطعت الواسطة وتعذر الوصول إليه عليه السلام.
فلا بد من عارف عادل ظاهر يرجع الناس إليه في الأحكام الشرعية في زمن الغيبة، وإلا لاختلفت الأحكام الشرعية، وتعطلت الحكمة الإلهية.
لا بل قد عرفت أن الشريعة والدين عبارة عن المسائل والتصديقات، فلا يبقى ظاهرا بدون من يعلمها، لأن بقاء العلم بدون العالم والحكمة بدون الحكيم غير معقول، ولا جائز أن يكون مقلدا، لاحتياج الناس إلى الأحكام الحادثة المتجددة التي لم يذكرها أحد من السابقين، ولاحتياج الناس إلى الحاكم والمفتي، ولا يجوز له الحكم ولا الفتوى بالاجماع.
قال بعض المحققين: وجود المفتي من ضروريات الدين وتمام شرائط التكليف فلا يجوز خلو الزمان عنه، فلو خلى بلد منه وجب عليهم النفور إلى بلد يمكنهم فيه تحصيل الشرائط على الكفاية، لمضمون قوله تعالى " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين " (2).
أوجب النفور على طائفة غير معينة، فيجب النفور على الكل حتى يحصل منهم من يقوم بذلك، فيسقط به الوجوب عن الباقين، ولا يجوز لهم الاشتغال عن ذلك بشئ من العبادات ولا غيرها إلا بقدر تحصيل المعاش الضروري لا غير ولو لم يفعلوا ذلك كان الكل مأثوما مخاطبا، إذ لا يجوز لهم صرف شئ من