ولم يسع في تحصيل مرضاته ذمه العقلاء، ورأوا سلب تلك النعم عنه حسنا، وحينئذ فيحكم ضرورة العقل بوجوب شكر ذلك المنعم.
ومن المعلوم أن شكره على وجه يليق بكمال ذاته يتوقف على معرفته، وهي لا تحصل بالظنيات كالتقليد وغيره، لاحتمال كذب المخبر وخطأ الأمارة، فلا بد من النظر المفيد للعلم.
وهذا الدليل إنما يستقيم على قاعدة الحسن والقبح، والأشاعرة ينكرون ذلك، لكنه كما يدل على وجوب المعرفة بالدليل، يدل أيضا على كون الوجوب عقليا.
واعترض أيضا بأنه مبني على وجوب ما لا يتم الواجب المطلق إلا به، وفيه أيضا منوع للأشاعرة.
ومن ذلك أن الأمة اجتمعت على وجوب المعرفة، والتقليد وما في حكمه لا يوجب العلم، إذ لو أوجبه لزم اجتماع الضدين في مثل تقليد من يعتقد حدوث العالم ويعتقد قدمه.
وقد اعترض على هذا بمنع الإجماع، كيف؟ والمخالف معروف، بل عورض بوقوع الإجماع على خلافه، وذلك لتقرير النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه العوام على إيمانهم وهم الأكثرون في كل عصر، مع عدم الاستفسار عن الدلائل الدالة على الصانع وصفاته، مع أنهم كانوا لا يعلمونها، وإنما كانوا مقرين باللسان ومقلدين في المعارف ولو كانت المعرفة واجبة لما جاز تقريرهم على ذلك مع الحكم بإيمانهم.
وأجيب عن هذا: بأنهم كانوا يعلمون الأدلة إجمالا، كدليل الأعرابي حيث قال: البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام على المسير، أفسماء (1) ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلان على اللطيف الخبير، فلذا أقروا ولم يسألوا عن اعتقاداتهم، أو أنهم كان يقبل منهم ذلك للتمرين، ثم يبين لهم ما يجب عليهم من