الباب الثالث (في أحكامه) اتفقت كلمة جماعة من الأصحاب على وجوبه على كافة المكلفين من الذكور والإناث والأحرار والعبيد والذكي والبليد، فسلامة العقل شاهدة على أنه لا بد أن يكون أمرا واضحا بينا، لاستحالة التكليف بالمبهم والخفي الغير، البين، سيما مثل هذا التكليف العام الشامل لجميع المكلفين.
والجزم بوجوبه مع الجهل بمفهومه غير معقول به أن يكون أمرا سهلا يتيسر الوصول إليه لكل من فك (1) به وسعه وفهم له، لاستحالة التكليف بما لا يطاق.
والقول بأن الواجب هو السعي لا الوصول جدلي غير مستحسن، وتوهم الاستحالة في حق الصبية التي لها تسع سنين مردود، وسيجئ تحققه.
ثم اعلم أنه باعتبار العلوم الثلاثة التي عدوها من شرائطه، وهي: الأصول والعربية، والرجال على ثلاثة أقسام: الاجتهاد فيها كلها، أو في بعضها والتقليد في الباقي، والتقليد في الكل.
ولا شك أن المرتبة الأولى ساقط عنا، لجواز التقليد في العربية والرجال بالاتفاق.
وأما الأصول، فلا شك في سقوط مباحث القياس والرأي والاستحسان وأمثالها عنا، وحكم المسائل التي داخلة في العربية حكمها، وكثير من مباحثها لا طائل تحتها، والقدر الضروري كالاطلاق والتقييد وطريق العمل للخلاص من تعارض الأمارات ذكره الأصحاب في الكتب الفقهية الاستدلالية بحيث لا مزيد عليه، فالحكم بوجوب تعلم هذا العلم مطلقا يحتاج إلى دليل.