نعم الحكم بعدم انتفائه عن الساكت على مذهب من جعل الاقرار جزءا، إما للزوم الحرج العظيم لو كلف بدوام الاقرار في كل وقت، أو أن يكون المراد من كون الاقرار جزءا للإيمان الاقرار في الجملة، أي: في وقت ما مع البقاء عليه، فلا ينافيه السكوت المجرد، وإنما ينافيه مع الجحد، لعدم بقاء الاقرار حينئذ.
وأقول: الذي ذكره من الدليل على عدم النقل لا يدل وحده على كون الاقرار جزءا، وهو ظاهر، بل قصد به الدلالة على بطلان ما عدا مذهب أهل التصديق.
ثم استدل على بطلان مذهب التصديق بما ذكره، من الآيات الدالة على اعتبار الاقرار في الإيمان، فيكون الإيمان الشرعي تخصيصا للغوي، كما هو عند أهل التصديق.
وهذا جيد، لكن دلالة الآيات على اعتبار الاقرار ممنوعة، وقد بينا ذلك سابقا بأن تكفيرهم إنما كان لجحدهم الاقرار، وهو أخص من عدم الاقرار، فتكفيرهم بالجحد لا يستلزم تكفير هم بمطلق عدم الاقرار ليكون الاقرار معتبرا.
نعم اللازم من الآيات اعتبار عدم الجحد مع التصديق، وهو أعم من الاقرار واعتبار الأعم [لا] يستلزم اعتبار الأخص، وهو ظاهر. وهذا جواب عن استدلاله بجميع الآيات.
ونزيد في الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى في الحكاية عن موسى عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام " لقد علمت ما أنزل هؤلاء " (1) الآية أنه يجوز أن يكون نسب إلى فرعون العلم على طريق الملاطفة والملائمة، حيث كان مأمورا عليه السلام بذلك بقوله " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " (2).