الثاني: الاقتراني: ومراتبه أربعة: فالشكل الأول منه بديهي لكل عاقل، والثالث مثله، والباقية مختلفة باختلاف مراتب العقول، وأكثر ضروريها يرجع إلى الشكل الأول. والذي لا يرجع إليه، فالأصل يقتضي عدم الحاجة إليه، ومن يدعا فعليه البيان.
ولا يتوهم أن ما ذكر في عدم إمكان الاكتساب من التصور جار في الاقتراني، إذ الفرق حاصل، لأن النسبة بين الأصغر والأكبر معلومة، فإذا أدخلنا الأوسط حصل ظن أو جزم بتلك النسبة بعينها، فالمعلوم واحد في كلا الحالين.
بخلاف التصور إذ لو كان المطلوب مقصورا فهو حاصل، وإلا فلا شعور فلا طلب، لاستحالة طلب المطلق، واختلاف الجهة مجرد كلام لا أصل، إذ الظاهر من حيث هو مطلوب لا يقبل الاختلاف، تأمل ولا تستعجل فإن العجلة من الشيطان.
وبالجملة فحصول العلم بالنتيجة عند العلم بالمقدمتين معلوم بالبديهة: أما بطريق التوليد، وأما بطريق اللزوم، وأما بطريق الإفاضة من المبدء الفياض، وذهب إلى كل احتمال طائفة.
وقال بعض العلماء: إن النتيجة كانت معلومة لكن بعلم إجمالي.
وفائدة إدخال الأوسط بين الأصغر والأكبر هو: أن المجمل يصير مفصلا، والمبهم معينا، ومثل برؤية سواد العسكر من بعيد، فإن هذه الرؤية رؤية كل واحد واحد من أفراده، لكن لا على جهة وجه التمييز والتعيين، فإذا قربت منه فقد تميز كل واحد منه، وكذلك إذا حكمت بأن كل إنسان حيوان، فقد تميز عندك زيد عن الغير.
وأما الاستقراء وهو الاستدلال بحال الجزئيات على حال كلي، فحصول العلم عنه قريب من الحدسيات والمتواترات التي هي قسم من البديهيات، وهو قليل الوقوع في المسائل الشرعية.