المقصود منه، لقيام الاحتمال المذكور.
بل الواقع ليس إلا هو يشهد أن كثيرا من العلوم النظرية والصنائع الجزئية الفكرية الدقيقة تحصل بالفكر والاستدلال، أو التعليم لمن يخطر بباله المنطق، ومنع هذا مكابرة.
والقول بأن الدليل وإن لم يدل على وجوبه، فلا شك في استحبابه باطل، لأنك عالم بأن الواجب لو كان واجبا لفوات ما أو جب منه يكون حراما، فكيف الحال في المستحب والمباح؟ فلو سكتنا عن القول بحرمته فاسكتوا عن القول بالاستحباب حتى نسكت كلنا عما سكت الله (1) عنه.
الحاصل: أن الدال والمدلول لهما تصورات أو تصديقات، لعزم إمكان اكتساب التصور من التصديق وبالعكس على مقصدهم. ولا شك أن دلالة تصور على تصور موقوف على العلم بالعلاقة بينهما، ولا يخفى أن النسبة والعلاقة كما أن تحققها موقوف على تحقق الطرفين، كذلك العلم بهما لا يتحقق بدون العلم بالطرفين.
وكذلك ذهب المحققون إلى أن اكتساب تصور من تصور آخر عبارة عن الالتفات به واستحقاره عند حصول ما يدل عليه. وأما حصول صورة متجددة غير حاصلة، فلا يكون إلا بالبديهة أو التعليم أو الحدس أو الالهام وأمثالها، ولا يتصور حصوله بطريق العقل والنظر المصطلحين، كما يشهد به الوجدان وسلامة الفطنة والبراهين المذكورة في كتب الحكمة.
وأما التصديقات، فطريق الاستدلال بها منحصر في طرق أربعة:
الأول: القياس الاستثنائي، وحاصله أن من علم بلزوم شئ لشئ آخر، فإذا جزم أو ظن بتحقق الملزوم يجزم، أو يظن بتحقق اللازم، وإذا علم بانتفاء اللازم يعلم بانتفاء الملزوم وهذا أمر بديهي لا يشك فيه عاقل.