وبيان ذلك: إن للنفس باعتبار تأثرها عما فوقها من المبادي باستفاضتها (1) عنها ما تتكمل به من التعقلات قوة تسمى عقلا نظريا، وله أربع مراتب، ولها باعتبار تأثيرها في البدن ليفيد جوهره كما لا تأثيرا اختياريا قوة أخرى تسمى عقلا عمليا وله أيضا أربع مراتب.
على أن هذا الكمال الذي يحصل للبدن بسببها في الحقيقة يعود إليها، لأن البدن آلة لها في تحصيل العلم والعمل.
أما مراتب النظري، فهي: أما كمال، وأما استعداد نحو الكمال، قريب أو متوسط أو بعيد.
فالبعيد وهو محض قابلية النفس للإدراكات (2) يسمى عقلا هيولانيا، تشبيها لها بالهيولي الأولى الخالية عن جميع الصور المستعدة لقبولها وتسمى النفس وقوة النفس في هذه المرتبة بهذا الاسم أيضا، ولا شئ منها مناطا للتكليف.
والمتوسط وهو استعدادها لتحصيل النظريات، بعد حصول الضروريات لها يسمى عقلا بالملكة، والمراد بالملكة ما يقابل الحال، لأن استعداد الانتقال إلى المعقولات النظرية راسخ في هذه المرتبة، أو ما يقابل العدم، كأنه قد حصل للنفس فيها وجود الانتقال إليها بناءا على قربه.
كما يسمى العقل بالفعل عقلا مع كونه بالقوة، لأن قوته قريبة من الفعل جدا وهذه المرتبة - أعني العقل بالملكة - هي المشار إليها سابقا في كلام بعضهم أنها العقل الذي هو مناط التكليف.
أقول: هذا القول مطبوع والتفاسير السابقة ترجع إليه، فإن الانسان إنما يعرف فيها حسن الحسن وقبح القبيح، وكذلك استعداده للعلوم إنما هو في هذه