ثم إن فسر الجحد بأنه الإنكار باللسان مع الاعتراف بالقلب، كما هو المتعارف في معناه، كان أخص من تعريف الغزالي، لأن التكذيب قد يكون بالقلب، كما قد يكون باللسان، فيرد عليه زيادة النقض بمن صدق بلسانه وأنكر بقلبه، فإنه كافر مع عدم صدق التعريف عليه، فلا يكون التعريف جامعا، وبالزيادة المذكورة قد يكون أقل جامعية.
وإن فسر بمطلق الإنكار كان قريبا من تعريف الغزالي، فيرد عليه ما يرد عليه فقط.
وإن فسر بالجهل، مع كونه لا يخلو عن جهل يرد عليه الحكم بإيمان من كذب بلسانه دون قلبه مع أنه محكوم بكفره، لكن لا يرد عليه جميع النقوض السابقة.
البحث الثالث في أن المؤمن بعد اتصافه بالإيمان الحقيقي في نفس الامر هل يمكن أن يكفر أم لا؟
ولا خلاف في أنه لا يمكن ما دام الوصف، وإنما النزاع في إمكان زواله بضد أو غيره، فذهب أكثر الأصوليين إلى جواز ذلك، بل إلى وقوعه، وذلك لزوال الضد بطريان ضده، أو مثله على القول بعدم اجتماع الأمثال أمر ممكن، لأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال.
لا يقال: نمنع عدم لزوم المحال، فإنه من فرض وقوعه، وذلك لأن زوال الضد بطريان الآخر يلزم منه الترجيح من غير مرجح، بل ترجيح المرجوح، لأن الضد الموجود راجح الوجود لوجوده والمعدم مرجوح، فكيف يترجح على الراجح، وكلاهما محال. وكذا الحكم في الأمثال.