الباب الثالث في أن هذه المرتبة الفطرية مع الإشارات والتنبيهات الشرعية لا يتوقف على تعلم علم مدون وإن توقفت ذلك على تعليم معلم وذلك لوجوه:
الأول: في أن المكلف إذا بلغ في أثناء النهار تجب عليه صلاة ذلك اليوم ولا تصح الأبعد الإيمان. ومعلوم أن في هذا القدر من الزمان لا يتمكن أحد من الوصول إلى تعليم وتعلم العلم علم (1) مدون كالمنطق مثلا.
فلو لم تكن الفطرة الانسانية مع الهداية الشرعية الإلهية كافية في تحصيل الدين، لزم التكليف بما لا يطاق، ضرورة عدم جواز التقليد في الأصول بالاتفاق.
الثاني: الإيمان الشرعي هل يزيل بتعليم العلوم من المنطق والكلام أم لا؟
فعلى الأول تجب قضاء جميع العبادات السابقة، وهو خلاف الإجماع. وعلى الشقين الأخيرين يلزم كفاية الفطرة الانسانية.
الثالث: من ارتد عن الفطرة عقيب البلوغ يحكم باستباحة دمه وماله وحريمه، فلو لم يكن الإيمان فطريا لما صح هذا الحكم.
ثم أقول: هل يقول عاقل إن شخصا يستدل بحسب الفطرة الانسانية على إثبات الصانع وصفاته الحسنى والمعاد الجسماني بالدليل العقلي والنقلي كحال البعد بين الواجب والممكن، وعدم استقلال العقل بأحوال الجسماني.
وهذا الشخص بعينه بعد ما طالع أكثر العلوم الآتي من العقلي والنقلي لا يقدر على الاستدلال على الحكم الشرعي والعرفي، وهل هذا إلا الفساد وعدم المعرفة بالاجتهاد؟ أو الجهل بمعنى الاستدلال، وعدم العقل بحقيقة الحال.