أنهم لا يراعونه في هذه المدة مع علمهم بأن الحافظ مراعاته لا نفسه.
بل السر فيه أن الخطأ قد يقع في المراعاة أيضا، وأنه قد يكون من حيث القدرة وقد يكون من جهة الصورة، لا ما يقع من حيث المادة، كما لا يخفى على من له علم بحاله.
وأيضا لا نسلم أن وقوع الخطأ وعدم كفاية الفطرة يستلزمان الاحتياج إلى تعلم، بل اللازم هو الاحتياج إلى مميزهم وهو أعم منه، إذ قد يحصل التمييز من العلم، كما يشاهد أن كثيرا ما يغلطه الانسان في فكره، فإذا عزم على غيره ينبهه ويشير إلى مواضع خطائه فلا تقريب.
وناهيك بهذا دليلا على عدم فائدته أنه لو كان له نفع لما صدر مثل هذا الخطأ العظيم منهم في استدلالهم هذا على وجوب تعلمه مع كمال اهتمامهم به واجتماعهم عليه.
وبالجملة لو سلم فائدته فهي اكتساب تصور أو تحصيل أو تصديق، وأنت تعلم أن الأول ما كان بديهيا وبعضه، وعلى الأول لا حاجة إلى القسم الأول منه، وهو مباحث التصورات التي يهرم فيها الكبير ويشيب عنها الصغير.
وعلى تقدير الثاني يجب على المستدل أن يثبت أولا أن بعض التصورات الواجب علينا اكتسابه نظري، ولا يمكن حصوله إلا بتعلمه، إذ بدونه لا يلزم تعلمه، لجواز أن يكون جميع التصورات التي يجب عليه تحصيله في المسائل الشرعية والحكمية من القسم الأول البديهي.
وأما التصديق، فإن كان كله بديهيا، فكذلك لا حاجة لنا إلى تعلم أصلا. وإن كان الكل نظريا، فيحتاج إلى تميز آخر، فحينئذ هو المحتاج إليه لا المنطق.
وإن كان مبعضا، فكما يكفي بديهية لتحصيل نظريته يحتمل أن يكون كافيا لتحصيل الأحكام الشرعية والتصديقات الدينية، فيجب عليه أن يثبت أن بعض القضايا الشرعية موقوف على بعض المسائل النظرية منه، إذ بدون ذلك لا يثبت