وأيضا فالرجوع المأخوذ شرطا في قوله (عليه السلام): (ورجع بريدا) مطلق غير مقيد باليوم، فيكون شغل اليوم المترتب عليه بالجزاء مطلق الشغل سواء كان بالفعل أو بالقوة، والمعنى أنه إذا ذهب بريدا ورجع ليومه أو بعده بريدا فقد شغل يومه، أي وجد منه ما يشغل اليوم وما من شأنه ذلك وإن لم يتحقق الشغل بالفعل، فإن شغل اليوم بالفعل مع تأخر الرجوع عنه مستحيل قطعا، وتأويل الشرط بما يطابق الجزاء ليس أولى من العكس، فإن في كل منهما موافقة للظاهر من وجه ومخالفة له من وجه آخر، فلا يصلح التمسك به ما لم يعلم رجحان الأول، وهو ممنوع.
اللهم إلا أن يدفع بأن الرجوع الواقع في الشرط وإن كان مطلقا إلا أنه يجب تقييده بما كان ليومه بقرينة الجزاء الدال على شغله بالفعل، وحمله على وجود ما يشغل اليوم ليطابق إطلاق الشرط وإن كان ممكنا إلا أن الترجيح للأول، لقوة الدلالة في جانب الجزاء، فيكون تحكيمه على الشرط أولى من العكس، ولأن تقييد المطلق كثير شائع، فهو كالتخصيص خير من المجاز، بل هو في معناه المقدم عليه بالاجماع، بل لعله أولى منه لعدم وضع المطلق للعموم، فيكون تقييده أهون من تخصيص العام، خصوصا مثل هذا المطلق الذي قيل، إنه بنفسه ينصرف إلى الرجوع في اليوم لغلبته، وفيه أن ارتكاب هذا التقييد في المنطوق بل والمفهوم كما سمعت يتوقف على تبادر الفعلية من هذه الشرطية من دون تردد، حتى يتعين الحمل عليها لحجية المعنى المتبادر من اللفظ وإن استلزم التقييد في المنطوق والمفهوم من وجوه فضلا عن وجه، وهو في حيز المنع، بل لعل المتبادر لما عرفت خلافه، على أن أقصى ما يدل عليه بعد تقييد الرجوع باليوم هو وجوب التقصير في البريد لكونه مسافة إذا رجع فيها المسافر ليومه كان شاغلا له، وهذا لا يدل على تحقق الرجوع في اليوم، ولا على فعلية الشغل له، لأن صدق الشرطية لا يتوقف على وجود الشرط والجزاء بل على وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط،