حاجة إلى الخروج عن حصن البلاد، ولا يخلو من تأمل، سيما في مثل البلاد المتصلة محالا ودورا ولها حصن، لاما كانت كاصبهان على ما قيل من تباعد المحال والدور وعدم السور، فإن التأمل فيه أضعف، واحتمال كون الجميع كالسفر من منازل الاعراب المتحقق بمجرد الخروج عن الحي وإن كان أول الاحياء يدفعه - بعد تسليمه في المقيس عليه، وصحة القياس حصول الصدق فيه دونه، وهو المدار، لعدم النص بالخصوص كاحتمال توجيهه أنه لما لم يكن مثله متبادرا من الاطلاقات وجب الرجوع فيه إلى المتبادر المنساق منها، وهو غير المتسع، كالرجوع في وجه غير مستوي الخلقة إلى مستويها، إذ هو مع أنه كما ترى مقتضاه كون العبرة بالمحلة إذا وافقت آخر البلد المعتدل تقديرا لا مطلقا كما يوهمه إطلاقهم، اللهم إلا أن يدعى أنه الغالب الذي ينصرف الاطلاق إليه، وعلى كل حال فالاحتياط ولو بالجمع بين القصر والاتمام الذي هو الأصل لا ينبغي تركه فيه وفي مثل المنزل المرتفع أو المنخفض أيضا، وإن قال في الدروس: إنه يقدر فيه التساوي، لعدم مدرك تطمئن النفس له به، إذ ليس إلا إلحاقه بالغالب في البلاد.
ثم لا ريب في توقف القصر على العلم ببلوغ المقصد مسافة ولو بالشياع المفيد للنفس الاطمئنان الذي يجري مجرى اليقين الخالص عن الاحتمال قريبه وبعيده عند الناس، ولعله لذا عطفه غير واحد من الأصحاب على العلم، وإلا فاحتمال الاكتفاء به وإن لم يفد ذلك بل كان مفاده الظن لا دليل عليه، بل ظاهر حصر المواضع المعتبر فيها الشياع في غيرها خلافه، وما في الروض من احتمال العمل هنا بمطلق الظن القوي لأنه مناط العمل في كثير من العبادات لا شاهد له، كاستظهاره أيضا أن الشياع المتاخم للعلم بمنزلة البينة، بل ربما كان أقوى، فيجوز التعويل عليه عند الجهل، إلا أن يريد ما ذكرناه، نعم تقوم البينة مقام العلم بلا خلاف معتد به أجده فيه، لعدم اشتراط قبولها بالتداعي بين يدي الحاكم كما لا يخفى على المتتبع لكلمات الأصحاب في المقام وغيره.