الشبق عجزا عن الصوم، قال أكثر العلماء: هو خاصية، وقال صاحب التقريب: يلتحق به من يساويه في الشبق والعجز، ومن جعله خاصية استند فيه إلى أنه لو فتح هذا الباب فيلزم مثله في كفارة المظاهر وسائر الكفارات، ونص القرآن دليل على أنهم لا ينفكون عن واجب وإن اختلفت أحوالهم في العجز، فحمله على الخاصية أهون من هدم القواعد المعلومة.
القسم الثاني: ما استثنى عن قاعدة سابقة، ويتطرق إلى استثنائه معنى، فهذا يقاس عليه كل مسألة دارت بين المستثنى والمستبقى، وشارك المستثنى في علة الاستثناء، مثاله: استثناء العرايا، فإنه لم يرد ناسخا لقاعدة الربا ولا هادما لها، لكن استثني للحاجة، فنقيس العنب على الرطب، لأنا نراه في معناه، وكذلك إيجاب صاع من تمر في لبن المصراة لم يرد هادما لضمان المثليات بالمثل، لكن لما اختلط اللبن الحادث بالكائن في الضرع عند البيع ولا سبيل إلى التمييز ولا إلى معرفة القدر. وكان متعلقا بمطعوم يقرب الامر فيه خلص الشارع المتبايعين من ورطة الجهل بالتقدير بصاع من تمر، فلا جرم نقول: لورد المصراة بعيب آخر لا بعيب التصرية فيضمن اللبن أيضا بصاع، وهو نوع الحاق وإن كان في معنى الأصل، ولولا أنا نشم منه رائحة المعنى لم نتجاسر على الالحاق، فإنه لما فرق في بول الصبيان بين الذكور والإناث وقال: يغسل من بول الصبية، ويرش على بول الغلام ولم ينقدح فيه معنى لم يقس عليه الفرق في حق البهائم بين ذكورها وإناثها، وكذلك حكم الشرع ببقاء صوم الناسي على خلاف قياس المأمورات، قال أبو حنيفة: لا نقيس عليه كلام الناسي في الصلاة ولا أكل المكره والمخطئ في المضمضة، ولكن قال: جماع الناسي في معناه لان الافطار باب واحد، والشافعي قال: الصوم من جملة المأمورات بمعناه إذا افتقر إلى النية والتحق بأركان العبادات، وهو من جملة المنهيات في نفسه وحقيقته، إذ ليس فيه إلا ترك يتصور من النائم جميع النهار فإسقاط الشرع عهدة الناسي ترجيح لنزوعه إلى المنهيات فنقيس عليه كلام الناسي، ونقيس عليه المكره والمخطئ على قول. القسم الثالث: القاعدة المستقلة المستفتحة التي لا يعقل معناها، فلا يقاس عليها غيرها لعدم العلة، فيسمى خارجا عن القياس تجوزا إذ معناه أنه ليس منقاسا، لأنه لم يسبق عموم قياس ولا استثناء حتى يسمى المستثنى خارجا عن القياس بعد دخوله فيه، ومثاله المقدرات في أعداد الركعات ونصب الزكوات ومقادير الحدود والكفارات، وجميع التحكمات المبتدأة التي لا ينقدح فيها معنى، فلا يقاس عليها غيرها لأنها لا تعقل علتها. القسم الرابع: في القواعد المبتدأة العديمة النظير لا يقاس عليها، مع أنه يعقل معناها، لأنه لا يوجد لها نظير خارج مما تناوله النص والاجماع. والمانع من القياس فقد العلة في غير المنصوص. فكأنه معلل بعلة قاصرة، ومثاله: رخص السفر في القصر والمسح على الخفين، ورخصة المضطر في أكل الميتة وضرب الدية على العاقلة، وتعلق الأرش برقبة العبد وإيجاب غرة الجنين والشفعة في العقار وخاصية الإجارة والنكاح، وحكم اللعان والقسامة وغير ذلك من نظائرها، فإن هذه القواعد متباينة المأخذ، فلا يجوز أن يقال: بعضها خارج عن قياس البعض، بل لكل واحد من هذه القواعد معنى منفرد به لا يوجد له نظير فيه، فليس البعض بأن يوضع أصلا ويجعل الآخر