خاصية لها سواه، فإن انضاف إلى الاطراد زيادة ولم ينته إلى درجة المناسب والمؤثر سمي شبها وتلك الزيادة هي مناسبة الوصف الجامع لعلة الحكم وإن لم يناسب نفس الحكم، بيانه أنا نقدر أن لله تعالى في كل حكم سرا وهو مصلحة مناسبة للحكم، وربما لا يطلع على عين تلك المصلحة، لكن يطلع على وصف يوهم الاشتمال على تلك المصلحة ويظن أنه مظنتها وقالبها الذي يتضمنها وإن كنا لا نطلع على عين ذلك السر، فالاجتماع في ذلك الوصف الذي يوهم الاجتماع في المصلحة الموجبة للحكم يوجب الاجتماع في الحكم، ويتميز عن المناسب بأن المناسب هو الذي يناسب الحكم ويتقاضاه بنفسه، كمناسبة الشدة للتحريم، ويتميز عن الطرد بأن الطرد لا يناسب الحكم ولا المصلحة المتوهمة للحكم بل نعلم إن ذلك الجنس لا يكون مظنة المصالح وقالبها، كقول القائل، الخل مائع لا تبنى القنطرة على جنسه فلا يزيل النجاسة كالدهن، وكأنه علل إزالة النجاسة بالماء بأنه تبنى القنطرة على جنسه واحترز من الماء القليل. فإنه وإن كان لا تبنى القنطرة عليه فإنه تبنى على جنسه، فهذه علة مطردة لا نقض عليها ليس فيها خصلة سوى الاطراد ونعلم أنه لا يناسب الحكم ولا يناسب العلة التي تقتضي الحكم بالتضمن لها، والاشتمال عليها، فإنا نعلم أن الماء جعل مزيلا للنجاسة لخاصية وعلة وسبب يعلمه الله تعالى وإن لم نعلمها ونعلم أن بناء القنطرة مما لا يوهم الاشتمال عليها ولا يناسبها فإذا معنى التشبيه الجمع بين الفرع، والأصل بوصف مع الاعتراف بأن ذلك الوصف ليس علة للحكم بخلاف قياس العلة، فإنه جمع بما هو علة الحكم، فإن لم يرد الأصوليون بقياس الشبه هذا الجنس فلست أدري ما الذي أرادوا وبم فصلوه عن الطرد المحض وعن المناسب وعلى الجملة فنحن نريد هذا بالشبه، فعلينا الآن تفهيمه بالأمثلة وإقامة الدليل على صحته، أما أمثلة قياس الشبه فهي كثيرة ولعل جل أقيسة الفقهاء ترجع إليها إذ يعسر إظهار تأثير العلل بالنص والاجماع والمناسبة المصلحية: المثال الأول: قول أبي حنيفة: مسح الرأس لا يتكرر تشبيها له بمسح الخف والتيمم، والجامع أنه مسح، فلا يستحب فيه التكرار قياسا على التيمم ومسح الخف، ولا مطمع فيما ذكره أبو زيد من تأثير المسح، فإنه أورد هذا مثالا للقياس المؤثر وقال: ظهر تأثير المسح في التخفيف في الخف والتيمم، فهو تعليل بمؤثر وقد غلط فيه، إذ ليس يسلم الشافعي أن الحكم في الأصل معلل بكونه مسحا بل لعله تعبد ولا علة له أو معلل بمعنى آخر مناسب لم يظهر لنا والنزاع واقع في علة الأصل، وهو أن مسح الخف لم لا يستحب تكراره. أيقال أنه تعبد لا يعلل؟ أو لان تكراره يؤدي إلى تمزيق الخف، أو لأنه وظيفة تعبدية تمرينية لا تفيد فائدة الأصل إذ لا نظافة فيه، لكن وضع لكيلا تركن النفس إلى الكسل، أو لأنه وظيفة على بدل محل الوضوء لا على الأصل، فمن سلم أن العلة المؤثرة في الأصل هي المسح يلزمه فالشافعي يقول: أصل يؤدي بالماء، فيتكرر كالأعضاء الثلاثة، فكأنه يقول: هي إحدى الوظائف الأربع في الوضوء، فالأشبه التسوية بين الأركان الأربعة، ولا يمكن ادعاء التأثير والمناسبة في العلتين على المذهبين ولا ينكر تأثير كل واحد من الشبهين في تحريك الظن إلى أن يترجح. المثال الثاني: قال الشافعي رحمه الله: في مسألة النية طهارتان، فكيف يفترقان؟ وقد يقال: طهارة موجبها في غير
(٣١٧)