المنطوق به، والغفلة البكر عند التعرض للثيب أبعد، لان ذكر الصفة بذكر ضدها يضعف هذا الاحتمال، فصار احتمال المفهوم أظهر، وعند الاستدراك بعد التعميم انقطع هذا الاحتمال بالكلية، فظهر احتمال المفهوم لانحسام أحد الاحتمالات الباعثة على التخصيص، لكن وراء هذه احتمالات داعية إلى التخصيص، وإن لم نعرفها فلا يحتج بما لا يعلم فينظر إلى لفظه، ومن تعرض للغنم السائمة والنخلة المؤبرة فهو ساكت، عن المعلوفة وغير المؤبرة، كما لو قال: في السائمة وفي المؤبرة، وكما قال: في سائمة الغنم زكاة.
الخامسة: الشرط، وذلك أن يقول: إن كان كذا فافعل كذا، وإن جاءكم كريم قوم فأكرموه، وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن، وقد ذهب ابن شريح وجماعة من المنكرين للمفهوم إلى أن هذا يدل على النفي، والذي ذهب إليه القاضي إنكاره وهو الصحيح عندنا على قياس ما سبق، لان الشرط يدل على ثبوت الحكم عند وجود الشرط فقط، فيقصر عن الدلالة على الحكم عند عدم الشرط، أما أن يدل على عدم عند العدم فلا.
وفرق بين أن لا يدل على الوجود فيبقى على ما كان قبل الذكر وبين أن يدل على النفي فيتغير عما كان، والدليل عليه أنه يجوز تعليق الحكم بشرطين، كما يجوز بعلتين، فإذا قال: احكم بالمال للمدعي إن كانت له بينة، واحكم له بالمال إن شهد له شاهدان، لا يدل على نفي الحكم بالاقرار واليمين والشاهد، ولا يكون الامر بالحكم بالاقرار والشاهد واليمين نسخا له ورفعا للنص أصلا، ولهذا المعنى جوزناه بخبر الواحد، وقوله تعالى: * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن) * (الطلاق: 6) أنكر أبو حنيفة مفهومه لما ذكرناه، ويجوز أن نوافق الشافعي في هذه المسألة، وإن خالفناه في المفهوم من حيث أن انقطاع ملك النكاح يوجب سقوط النفقة إلا ما استثنى، والحامل هي المستثنى، فيبقى الحائل على أصل النفي، وانتفت نفقتها إلا بالشرط، لكن بانتفاء النكاح الذي كان علة النفقة.
السادسة: قوله عليه السلام: إنما الماء من الماء وإنما الشفعة فيما لم يقسم وإنما الولاء لمن أعتق وإنما الربا بالنسيئة إنما الأعمال بالنيات وهذا قد أصر أصحاب أبي حنيفة وبعض المنكرين للمفهوم على إنكاره وقالوا إنه إثبات فقط، ولا يدل على الحصر، وأقر القاضي بأنه ظاهر في الحصر محتمل للتأكيد، إذ قوله تعالى: * (إنما الله إله واحد) * (النساء: 171) و * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * (فاطر: 82) يشعر بالحصر، ولكن قد يقول: إنما النبي محمد، وإنما العالم في البلد زيد يريد به الكمال والتأكيد، وهذا هو المختار عندنا أيضا، ولكن خصص القاضي هذا بقوله إنما، ولم يطرده في قوله: الأعمال بالنيات ، والشفعة فيما لم يقسم وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، والعالم في البلد زيد، وعندنا أن هذا يلحق بقوله: إنما وإن كان دونه في القوة لكنه ظاهر في الحصر أيضا، فإنا ندرك التفرقة بين قول القائل، زيد صديقي وبين قوله: صديقي زيد، وبين قوله: زيد عالم وبين قوله: العالم زيد وهذا التحقيق، وهو أن الخبر لا يجوز أن يكون أخص من المبتدأ، بل ينبغي أن يكون أعم منه أو مساويا له، فلا يجوز أن تقول الحيوان إنسان، ويجوز أن تقول: الانسان حيون، فإذا جعل زيدا مبتدأ وقال: زيد صديقي جاز أن تكون الصداقة