السبعين بخلافه، والجواب من أوجه: الأول: أن هذا خبر واحد لا تقوم به الحجة في إثبات اللغة، والأظهر أنه غير صحيح لأنه عليه السلام أعرف الخلق بمعاني الكلام، وذكر السبعين جرى مبالغة في اليأس وقطع الطمع عن الغفران، كقول القائل: أشفع أو لا تشفع، وإن شفعت لهم سبعين مرة لم أقبل منك شفاعتك. الثاني: أنه قال: لأزيدن على السبعين ولم يقل ليغفر لهم، فما كان ذلك لانتظار الغفران، بل لعله كان لاستمالة قلوب الاحياء منهم لما رأى من المصلحة فيهم ولترغيبهم في الدين، لا لانتظار غفران الله تعالى للموتى مع المبالغة في اليأس وقطع الطمع. الجواب الثالث: أن تخصيص نفي المغفرة بالسبعين أدل على جواز المغفرة بعد السبعين أو على وقوعه، فإن قلتم: على وقوعه فهو خلاف الاجماع، وإن قلتم على جوازه فقد كان الجواز ثابتا بالعقل قبل الآية، فانتفى الجواز المقدر بالسبعين والزيادة ثبت جوازها بدليل العقل، لا بالمفهوم.
المسلك الثالث أن الصحابة قالوا: الماء من الماء منسوخ بقول عائشة رضي الله عنها إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فلو لم يتضمن نفي الماء عن غير الماء لما كان وجوبه بسبب آخر نسخا له، فإنه لم ينسخ وجوبه بالماء، بل انحصاره عليه واختصاصه به، والجواب من أوجه: الأول: أن هذا نقل آحاد ولا تثبت به اللغة. الثاني: أنه إنما يصح عن قوم مخصوصين لا عن كافة الصحابة، فيكون ذلك مذهبا لهم بطريق الاجتهاد ولا يجب تقليدهم.
الثالث: أنه يحتمل أنهم فهموا منه أن كل الماء من الماء ففهموا من لفظ الماء المذكور أولا، العموم والاستغراق لجنس استعمال الماء، وفهموا أخيرا، كون خبر التقاء الختانين نسخا لعموم، الأول لا لمفهومه ودليل خطابه، وكل عام أريد به الاستغراق، فالخاص بعده يكون نسخا لبعضه ويتقابلان إن أتحدث الواقعة. الرابع: أنه نقل عنه عليه السلام أنه قال: لا ماء إلا من الماء وهذا تصريح بطرفي النفي والاثبات، كقوله عليه السلام: لا نكاح إلا بولي ولا صلاة إلا بطهور وروي أنه أتى باب رجل من الأنصار فصاح به فلم يخرج ساعة ثم خرج ورأسه يقطر ماء فقال عليه السلام: عجلت عجلت ولم تنزل فلا تغتسل فالماء من الماء وهذا تصريح بالنفي فرأوا خبر التقاء الختانين ناسخا لما فهم من هذه الأدلة. الخامس: أنه قال في رواية إنما الماء من الماء وقد قال بعض منكري المفهوم أن هذا للحصر والنفي والاثبات ولا مفهوم للقب والماء اسم لقب فدل أنه مأخوذ من الحصر الذي دل عليه الألف واللام وقوله: إنما ولم يقل أحد من الصحابة أن المنسوخ مفهوم هذا اللفظ فلعل المنسوخ عمومه أو حصره المعلوم لا بمجرد التخصيص والكلام في مجرد التخصيص.
المسلك الرابع قولهم أن يعلى بن أمية قال لعمر رضي الله عنه: ما بالنا نقصر وقد أمنا؟ فقال تعجبت مما تعجبت منه، فسألت النبي عليه الصلاة والسلام فقال: هي صدقة تصدق الله بها عليكم أو على عباده، فاقبلوا صدقته وتعجبهما من بطلان مفهوم تخصيص قوله تعالى: * (إن خفتم) * (النساء: 101) قلنا: لان الأصل الاتمام، واستثنى حالة الخوف، فكان الاتمام واجبا عند عدم الخوف بحكم الأصل لا بالتخصيص.