الأسود، أو خرج أو قعد، لم يدل على نفيه عن الأبيض، بل هو سكوت عن الأبيض، وإن منع ذلك مانع وقد قيل به لزمه تخصيص اللقب والاسم العلم، حتى يكون قولك: رأيت زيدا نفيا للرؤية عن غيره، وإذا قال: ركب زيد، دل على نفي الركوب عن غيره، وقد تبع هذا بعضهم، وهو بهت واختراع على اللغات كلها، فإن قولنا: رأيت زيدا لا يوجب نفي رؤيته عن ثوب زيد ودابته وخادمه، ولا عن غيره، إذ يلزم أن يكون قوله: زيد عالم كفرا، لأنه نفي للعلم عن الله وملائكته ورسله، وقوله عيسى نبي الله كفرا لأنه نفي النبوة عن محمد عليه السلام وعن غيره من الأنبياء. فإن قيل: هذا قياس الوصف على اللقب ولا قياس في اللغة، قلنا ما قصدنا به إلا ضرب مثال ليتنبه به حتى يعلم أن الصفة لتعريف الموصوف فقط كما أن أسماء الاعلام لتعريف الاشخاص، ولا فرق بين قوله: في الغنم زكاة في نفي الزكاة عن البقر والإبل، وبين قوله: في سائمة الغنم زكاة في نفي الزكاة عن المعلوفة.
المسلك الخامس أنا كما أنا لا نشك في أن للعرب طريقا إلى الخبر عن مخبر واحد واثنين وثلاثة اقتصارا عليه مع السكوت عن الباقي فلها طريق أيضا في الخبر عن الموصوف بصفة، فتقول، رأيت الظريف، وقام الطويل، ونكحت الثيب، واشتريت السائمة، وبعت النخلة المؤبرة، فلو قال بعد ذلك: نكحت البكر أيضا، واشتريت المعلوفة أيضا، لم يكن هذا مناقضا للأول ورفعا له وتكذيبا لنفسه، كما لو قال: ما نكحت الثيب وما اشتريت السائمة، ولو فهم النفي كما فهم الاثبات لكان الاثبات بعده تكذيبا ومضادا لما سبق. وقد احتج القائلون بالمفهوم بمسالك:
الأول: أن الشافعي رحمه الله من جملة العرب ومن علماء اللغة وقد قال بدليل الخطاب، وكذلك أبو عبيدة من أئمة اللغة، وقد قال في قوله عليه السلام: لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته فقال: دليله أن من ليس بواجد لا يحل ذلك منه، وفي قوله: لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا فقيل: أنه أراد الهجاء والسب، أو هجو الرسول عليه السلام فقال: ذلك حرام قليله وكثيره امتلأ به الجوف أو قصر، فتخصيصه بالامتلاء يدل على أن ما دونه بخلافه، وأن من لم يتجرد للشعر ليس مرادا بهذا الوعيد، والجواب، أنهما: ما إن قالاه عن اجتهاد فلا يجب تقليدهما، وقد صرحا بالاجتهاد إذ قالا: لو لم يدل على النفي لما كان للتخصيص بالذكر فائدة، وهذا الاستدلال معرض للاعتراض كما سيأتي، فليس على المجتهد قبول قول من لم يثبت عصمته عن الخطأ فيما يظنه بأهل اللغة أو بالرسول، وإن كان ما قالاه عن نقل فلا يثبت هذا بقول الآحاد، ويعارضه أقوال جماعة أنكروه، وقد قال قوم: لا تثبت اللغة بنقل أرباب المذاهب والآراء فإنهم يميلون إلى نصرة مذاهبهم، فلا تحصل الثقة بقولهم.
المسلك الثاني أن الله تعالى قال: * (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) * (التوبة: 08) فقال عليه السلام: لأزيدن على السبعين فهذا يدل على أن حكم ما عدا