الأقسام إلا بقرينة، كالألفاظ المشتركة، فإن قيل: أليس قوله: لا تفعل أفاد التحريم، فقوله:
إفعل ينبغي أن يفيد الايجاب، قلنا: هذا قد نقل عن الشافعي، والمختار أن قوله: لا تفعل متردد بين التنزيه والتحريم كقوله: إفعل ولو صح ذلك في النهي لما جاز قياس الامر عليه، فإن اللغة تثبت نقلا لا قياسا، فهذه شبههم اللغوية والعقلية.
أما الشبهة الشرعية: فهي أقرب، فإنه لو دل دليل الشرع على أن الامر للوجوب لحملناه على الوجوب لكن لا دليل عليه، وإنما الشبهة الأولى قولهم نسلم أن اللغة والعقل لا يدل على تخصيص الامر بالوجوب لكن يدل عليه من جهة الكتاب قوله تعال: * (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) [النور: 54] وهذا لا حجة فيه، لان الخلاف في قوله: * (وأطيعوا) قائم أنه للندب أو الوجوب وقوله: * (عليه ما حمل وعليكم ما حملتم) أي: كل واحد عليه ما حمل من التبليغ والقبول، وهذا إن كان معناه التهديد والنسبة إلى الاعراض عن الرسول عليه السلام فهو دليل على أنه أراد به الطاعة في أصل الايمان، وهو على الوجوب بالاتفاق، وغاية هذا اللفظ عموم فنخصه بالأوامر التي هي على الوجوب، وكل ما يتمسك به من الآيات من هذا الجنس، فهي صيغ أمر يقع النزاع في أنه للندب أم لا، فإن اقترن بذكر وعيد فيكون قرينة دالة على وجوب ذلك الامر خاصة فإن كان أمرا عاما يحمل على الامر بأصل الدين، وما عرف بالدليل أنه على الوجوب، وبه يعرف الجواب عن قوله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه) * (الحشر: 7) وقوله تعالى: * (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) * (المرسلات: 84) وقوله تعالى: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) * (النساء: 56) فكل ذلك أمر بتصديقه ونهى عن الشك في قوله، وأمر بالانقياد في الاتيان بما أوجبه الشبهة الثانية: تمسكهم بقوله: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * (النور: 36) قلنا: تدعون أنه نص في كل أمر أو عام، ولا سبيل إلى دعوى النص، وإن ادعيتم العموم فقد لا نقول بالعموم ونتوقف في صيغته، كما نتوقف في صيغة الامر أو نخصصه بالامر بالدخول في دينه، بدليل أن ندبه أيضا أمره، ومن خالف عن أمره في قوله تعالى: * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * (النور: 33) وقوله: * (واستشهدوا شهيدين) * (البقرة: 282) وأمثاله لا يتعرض للعقاب، ثم نقول هذا نهي عن المخالفة وأمر بالموافقة أي يؤتى به على وجهه إن كان واجبا فواجبا، وإن كان ندبا فندبا، والكلام في صيغة الايجاب لا في الموافقة والمخالفة، ثم لا تدل الآية إلا على وجوب أمر الرسول عليه السلام، فأين الدليل على وجوب أمر الله تعالى.
الشبهة الثالثة: تمسكهم من جهة السنة بأخبار آحاد، لو كانت صريحة صحيحة لم يثبت بها مثل هذا الأصل، وليس شئ منها صريحا، فمنها قوله عليه السلام لبريرة وقد عتقت تحت عبد وكرهته: لو راجعتيه فقالت: بأمرك يا رسول الله؟ فقال: لا، إنما أنا شافع فقالت:
لا حاجة لي فيه فقد علمت أنه لو كان أمرا لوجب وكذلك عقلت الأمة، قلنا: هذا وضع