- مسألة (التأويل في حديث غيلان الثقفي) من تأويلاتهم في هذه المسألة أن الواقعة ربما وقعت في ابتداء الاسلام قبل الحصر في عدد النساء، فكان على وفق الشرع، وإنما الباطل من أنكحة الكفار ما يخالف الشرع، كما لو جمع في صفقة واحدة بين عشر بعد نزول الحصر، فنقول: إذا سلم هذا أمكن القياس عليه، لان قياسهم يقتضي اندفاع جميع هذه الأنكحة، كما لو نكح أجنبيتين ثم حدث بينهما أخوة برضاع اندفاع النكاح ولم يتخير، ومع هذا فنقول هذا بناء تأويل على احتمال من غير نقل، ولم يثبت عندنا رفع حجر في ابتداء الاسلام، ويشهد له أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة زيادة على أربعة، وهم الناكحون، ولو كان جائزا لفارقوا عند نزول الحصر ولأوشك أن ينقل ذلك، وقوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * (النساء:
23) أراد به زمان الجاهلية، هذا ما ورد في التفسير، فإن قيل: فلو صح رفع حجر في الابتداء، هل كان هذا الاحتمال مقبولا؟ قلنا: قال بعض أصحابنا الأصوليين: لا يقبل، لان الحديث استقل حجة، فلا يدفع بمجرد الاحتمال، ما لم ينقل وقوع نكاح غيلان قبل نزول الحجر، وهذا ضعيف، لان الحديث لا يستقل حجة ما لم ينقل تأخر نكاحه عن نزول الحصر لأنه إن تقدم فليس بحجة وإن تأخر فهو حجة، فليس أحد الاحتمالين أولى من الآخر، ولا تقوم الحجة باحتمال يعارضه غيره.
- مسألة (هل يرفع التأويل النص؟) قال بعض الأصوليين كل تأويل يرفع النص أو شيئا منه فهو باطل، ومثاله تأويل أبي حنيفة في مسألة الابدال حيث قال عليه الصلاة والسلام في أربعين شاة شاة فقال أبو حنيفة، الشاة غير واجبة، وإنما الواجب مقدار قيمتها من أي مال كان، قال: فهذا باطل لان اللفظ نص في وجوب شاة، وهذا رفع وجوب الشاة، فيكون رفعا للنص، فإن قوله:
(وآتوا الزكاة) * (النساء: 77) للايجاب، وقوله عليه السلام: في أربعين شاة شاة بيان للواجب وإسقاط وجوب الشاة رفع للنص، وهذا غير مرضي عندنا، فإن وجوب الشاة إنما يسقط بتجويز الترك مطلقا، فأما إذا لم يجز تركها إلا ببدل يقوم مقامها فلا تخرج الشاة عن كونها واجبة، فإن من أدى خصلة من خصال الكفارة المخير فيها فقد أدى واجبها، وإن كان الوجوب يتأدى بخصلة أخرى، فهذا توسيع للوجوب واللفظ نعى في أصل الوجوب لا في تعيينه وتصنيفه ولعله ظاهر في التعيين محتمل للتوسيع والتخيير، وهو كقوله: وليستنج بثلاثة أحجار فإن إقامة المدر مقامه لا يبطل وجوب الاستنجاء، لكن الحجر يجوز أن يتعين ويجوز أن يتخير بينه وبين ما في معناه، نعم إنما ينكر الشافعي هذا التأويل لا من حيث أنه نص لا يحتمل لكن من وجهين: أحدهما: أن دليل الخصم أن المقصود سد الخلة، ومسلم أن سد الخلة مقصود، لكن غير مسلم أنه كل المقصود، فلعله قصد مع ذلك التعبد بإشراك الفقير في جنس مال الغني فالجمع بين الظاهر وبين التعبد ومقصود سد الخلة أغلب على الظن في العبادات، لان العبادات مبناها على الاحتياط، من تجريد النظر إلى مجرد سد الخلة. الثاني: أن التعليل بسد الخلة مستنبط من قوله: في أربعين شاة شاة وهو استنباط يعود على أصل النص بالابطال، أو على الظاهر بالرفع، وظاهره وجوب الشاة على التعيين، فإبراز معنى لا يوافق الحكم السابق إلى الفهم من اللفظ لا معنى له، لان العلة ما يوافق الحكم، والحكم لا