7) وللارشاد كقوله: * (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * (المائدة: 101) فهذه خمسة عشر وجها في إطلاق صيغة الامر، وسبعة أوجه في إطلاق صيغة النهي فلا بد من البحث عن الوضع الأصلي في جملة ذلك ما هو والمتجوز به ما هو، وهذه الأوجه عدها الأصوليون شغفا منهم بالتكثير، وبعضها كالمتداخل، فإن قوله: كل مما يليك جعل للتأديب، وهو داخل في الندب، والآداب مندوب إليها، وقوله: * (تمتعوا) (هود 65، إبراهيم: 30، الذاريات:
43) للانذار، قريب من قوله: * (اعملوا ما شئتم) * (فصلت: 04) الذي هو للتهديد، ولا نطول بتفصيل ذلك وتحصيله، فالوجوب والندب والارشاد والإباحة أربعة وجوه محصلة، ولا فرق بين الارشاد والندب، إلا أن الندب لثواب الآخرة، والارشاد للتنبيه على المصلحة الدنيوية، فلا ينقص ثواب بترك الاشهاد في المداينات ولا يزيد بفعله. وقال قوم: هو مشترك بين هذه الوجوه الخمسة عشر، كلفظ العين والقرء، وقال قوم: يدل على أقل الدرجات، وهو الإباحة، وقال قوم: هو للندب، ويحمل على الوجوب بزيادة قرينة، وقال قوم: هو للوجوب، فلا يحمل على ما عداه إلا بقرينة، وسبيل كشف الغطاء أن نرتب النظر على مقامين: الأول: في بيان أن هذه الصيغة هل تدل على اقتضاء وطلب أم لا. والثاني: في بيان أنه إن اشتمل في اقتضاء، والاقتضاء موجود في الندب، والوجوب على اختيارنا في أن الندب داخل تحت الامر فهل يتعين لأحدهما أو هو مشترك؟.
المقام الأول: في دلالته على اقتضاء الطاعة، فنقول: قد أبعد من قال أن قوله: إفعل مشترك بين الإباحة والتهديد الذي هو المنع وبين الاقتضاء، فإنا ندرك التفرقة في وضع اللغات كلها، بين قولهم، إفعل ولا تفعل، وإن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعل، حتى إذا قدرنا انتفاء القرائن كلها، وقدرنا هذا منقولا على سبيل الحكاية عن ميت أو غائب لا في فعل معين من قيام وقعود وصيام وصلاة، بل في الفعل مجملا، سبق إلى فهمنا اختلاف معاني هذه الصيغ، وعلمنا قطعا أنها ليست أسامي مترادفة على معنى واحد، كما أنا ندرك التفرقة بين قولهم في الاخبار: قام زيد ويقوم زيد، وزيد قائم، في أن الأول للماضي، والثاني للمستقبل الثالث للحال، هذا هو الوضع، وإن كان قد يعبر بالماضي عن المستقبل، وبالمستقبل عن الماضي لقرائن تدل عليه، وكما ميزوا الماضي عن المستقبل ميزوا الامر عن النهي، وقالوا في باب الأمر: إفعل، وفي باب النهي: لا تفعل، وإنهما لا ينبئان عن معنى قوله: إن شئت فافعل، وإن شئت فلا تفعل، فهذا أمر نعلمه بالضرورة من العربية والتركية والعجمية وسائر اللغات، لا يشككنا فيه لطلاق مع قرينة التهديد ومع قرينة الإباحة في نوادر الأحوال، فإن قيل: بم تنكرون على من يحمله على الإباحة، لأنها أقل الدرجات فهو مستيقن؟ قلنا: هذا باطل من وجهين: أحدهما: أنه محتمل للتهديد والمنع، فالطريق الذي يعرف أنه لم يوضع للتهديد يعرف أنه لم يوضع للتخيير. الثاني: أن هذا من قبيل الاستصحاب، لا من قبيل البحث عن الوضع، فإنا نقول: هل تعلم أن مقتضى قوله: إفعل للتخيير بين الفعل والترك؟
فإن قال: نعم، فقد باهت واخترع، وإن قال: لا، فنقول: فأنت شاك في معناه، فيلزمك التوقف، فيحصل من هذا أن قوله: إفعل يدل على ترجيح جانب الفعل على جانب الترك