العمر، وقد قال قوم: هو للمرة، ويحتمل التكرار وقال قوم: هو للتكرار، والمختار أن المرة الواحدة معلومة وحصول براءة الذمة بمجردها مختلف فيه، واللفظ بوضعه ليس فيه دلالة على نفي الزيادة ولا على إثباتها، وقياس مذهب الواقفية التوقف فيه لتردد اللفظ، كتردده بين الوجوب والندب، لكني أقول: ليس هذا ترددا في نفس اللفظ على نحو تردد اللفظ، المشترك بل اللفظ خال عن التعرض لكمية المأمور به، لكن يحتمل الاتمام ببيان الكمية، كما أنه يحتمل أن نتممه بسبع مرات أو خمس، وليس في نفس اللفظ تعرض للعدد، ولا هو موضوع لآحاد الاعداد وضع اللفظ المشترك، وكما أن قوله: أقتل إذا لم يقل أقتل زيدا أو عمرا فهو دون زيادة كلام ناقص، فإتمامه بلفظ دال على تلك الزيادة، لا بمعنى البيان، فإن قيل: بين مسألتنا وبين القتل فرق، فإن قوله: اقتل، كلام ناقص لا يمكن امتثاله، وقوله:
صم، كلام تام مفهوم يمكن امتثاله، قلنا: يحتمل أن يقال: يصير ممتثلا بقتل أي شخص كان بمجرد قوله أقتل، كما يصير ممتثلا بصوم أي يوم كان إذا قال: صم يوما بلا فرق، ويكون قوله: أقتل، كقوله: أقتل شخصا، لان الشخص القتيل من ضرورة القتل، وإن لم يذكر، كما أن اليوم من ضرورة الصوم وإن لم يصرح به، فيتحصل من هذا أنه تبرأ ذمته بالمرة، الواحدة، لان وجوبها معلوم، والزيادة لا دليل على وجوبها، إذ لم يتعرض اللفظ لها، فصار كما قبل قوله:
صم، وكنا لا نشك في نفي الوجوب، بل نقطع بانتفائه، وقوله: صم دال على القطع في يوم واحد، فبقي الزائد على ما كان، هذا هو الظاهر من مطلق اللفظ المجرد عن الكمية، ويعتضد هذا باليمين، فإنه لو قال: والله لأصومن، لبر بيوم واحد، ولو قال: لله علي صوم لتفصى عن عهدة النذر بيوم واحد، لان الزائد لم يتعرض له، فإن قيل: فلو فسر التكرار بصوم العمر فقد فسره بمحتمل، أو كان ذلك الحاق زيادة، كما لو قال: أردت بقولي: اقتل. أي أقتل زيدا، وبقولي: صم، أي صم يوم السبت خاصة. فإن هذا تفسير بما لا يحتمله اللفظ، بل ليس تفسيرا، إنما ذكر زيادة لم يذكرها، ولم يوضع اللفظ المذكور لها، لا بالاشتراك ولا بالتجوز ولا بالتنصيص. قلنا: هذا فيه نظر، والأظهر عندنا أنه إن فسره بعدد مخصوص كتسعة أو عشرة، فهو إتمام بزيادة وليس بتفسير، إذ اللفظ لا يصلح للدلالة على تكرر وعدد، وإن أراد استغراق العمر فقد أراد كلية الصوم في حقه، وكأن كلية الصوم شئ فرد أذله حد واحد وحقيقة واحدة، فهو واحد بالنوع، كما أن اليوم الواحد واحد بالعدد، واللفظ يحتمله، ويكون ذلك بيانا للمراد لا استئناف زيادة، ولهذا لو قال: أنت طالق، ولم يخطر بباله عدد كانت الطلقة الواحدة ضرورة لفظه فيقتصر عليها، ولو نوى الثلاثة بعد لأنه كلية الطلاق فهو كالواحد بالجنس أو النوع، ولو نوى طلقتين، فالأغوص ما قاله أبو حنيفة، وهو أنه لا يحتمله، ووجه مذهب الشافعي قد تكلفناه في كتاب المبادئ والغايات، فإن قيل: الزيادة التي هي كالمتممة لا تبعد إرادتها في اللفظ، فلو قال: طلقت زوجتي وله أربع نسوة وقال: أردت زينب بنيتي وقع الطلاق من وقت اللفظ، ولولا احتماله لوقع من وقت التعيين، قلنا: الفرق أغوص، لان قوله: زوجتي، مشترك بين الأربع، يصلح لكل واحدة، فهو كإدارة إحدى المسميات بالمشترك، أما الطلاق فموضوع لمعنى لا يتعرض للعدد، والصوم موضوع لمعنى