النفقة بالبعضية بالغا في القوة مبلغا ينبغي أن يخترع تقدير القرائن بسببه، فلو صح هذا اللفظ لعمل الشافعي رحمه الله بموجبه، فإن من كان من عادته إكرام أبيه فقال: من عادتي إكرام الناس كان ذلك خلفا من الكلام، ولكن قال الشافعي: الحديث موقوف على الحسن بن عمارة.
- مسألة (مثال عن العام الضعيف) ما ذكرناه مثال العموم القوي، أما مثال العموم الضعيف، فقوله عليه السلام:
فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي ينضح أو دالية نصف العشر فقد ذهب بعض القائلين بصيغ العموم إلى أن هذا لا يحتج به في إيجاب العشر ونصف العشر في جميع ما سقته السماء، ولا في جميع ما سقي بنضح، لان المقصود منه الفرق بين العشر ونصف العشر لا بيان ما يجب فيه العشر حتى يتعلق بعمومه، وهذا فيه نظر عندنا، إذ لا يبعد أن يكون كل واحد مقصودا وهو إيجاب العشر في جميع ما سقته السماء، وإيجاب نصفه في جميع ما سقي بنضح، واللفظ عام في صيغته، فلا يزول ظهوره بمجرد الوهم، لكن يكفي في التخصيص أدنى دليل، لكنه لو لم يرد إلا بهذا اللفظ، ولم يرد دليل مخصص لوجب التعميم في الطرفين على مذهب من يرى صيغ العموم حجة.
- مسألة (تأويل آية الأنفال) قال الله تعالى: * (اعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) * (الأنفال: 14) فقال أبو حنيفة: تعتبر الحاجة مع القرابة، ثم جوز حرمان ذوي القربى فقال أصحاب الشافعي رحمه الله: هذا تخصيص باطل لا يحتمله اللفظ، لأنه أضاف المال إليهم بلام التمليك، وعرف كل جهة بصفة، وعرف هذه الجهة في الاستحقاق بالقرابة، وأبو حنيفة ألغى القرابة المذكورة، واعتبر الحاجة المتروكة، وهو مناقضة للفظ لا تأويل، وهذا عندنا في مجال الاجتهاد، وليس فيه إلا تخصيص عموم لفظ، ذوي القربى بالمحتاجين منهم كما فعله الشافعي على أحد القولين في اعتبار الحاجة مع اليتم في سياق هذه الآية، فإن قيل: لفظ اليتم ينبئ عن الحاجة؟ قيل: فلم لا يحمل عليه قوله: لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر فإن قيل: قرينة إعطاء المال هي التي تنبه على اعتبار الحاجة مع اليتم فله هو أن يقول واقتران ذوي القربى باليتامى والمساكين قرينة أيضا، وإنما دعا إلى ذكر القرابة كونهم محرومين عن الزكاة حتى يعلم أنهم ليسوا محرومين عن هذا المال، وهذا تخصيص لو دل عليه دليل فلا بد من قبوله، فليس ينبو عنه اللفظ نبوة حديث النكاح بلا ولي عن المكاتبة.
- مسألة (تأويل نية الصيام) قوله عليه السلام: لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل حمله أبو حنيفة على القضاء والنذر، فقال أصحابنا: قوله: لا صيام نفي عام لا يسبق منه إلى الفهم إلا الصوم الأصلي الشرعي، وهو الفرض والتطوع، ثم التطوع غير مراد، فلا يبقى إلا الفرض الذي هو ركن الدين وهو صوم رمضان، وأما القضاء والنذر فيجب بأسباب عارضة، ولا يتذكر بذكر الصوم مطلقا، ولا يخطر بالبال، بل يجري مجرى النوادر كالمكاتبة في مسألة النكاح، وهذا فيه نظر، إذ ليس ندور القضاء والنذر كنذور المكاتبة، وإن كان الفرض أسبق منه إلى الفهم،