والمعجزة؟ قلنا: أما أصل الزكاة والصلاة فكان يجب قبوله، لانهم كانوا ينفذون لشرح وظائف الشرع بعد انتشار أصل الدعوة، وأما أصل والرسالة والايمان وأعلام النبوة فلا، إذ كيف يقول رسول الله (ص) قد أوجب عليكم تصديقي وهم لم يعرفوا برسالته، أما بعد التصديق به فيمكن الاصغاء إلى رسله بإيجابه الاصغاء إليهم، فإن قيل: فإنما يجب قبول خبر الواحد إذا دل قاطع على وجوب العمل به، كما دل الاجماع والتواتر عندكم، فأولئك بماذا صدقوا الولاة في قولهم يجب عليكم العمل بقولنا: قلنا: قد كان تواتر إليهم من سيرة رسول الله (ص) أنه ينفذ الولاة والرسل آحادا، كسائر الأكابر والرؤساء، ولولا علمهم بذلك لجاز للمتشكك، أن يجادل فيه إذ عرض له شك، ولكن قل ما يعرض الشك فيه مع القرائن، فإن الذي يدخل بلادنا مع منشور القضاء قد لا يخالجنا ريب في صدقه وإن لم يتواتر إلينا، ولكن بقرائن الأحوال والمعرفة لخط الكاتب وببعد جرأته على الكذب مع تعريضه للخطر في أمثال ذلك.
الدليل الثالث: إن العامي بالاجماع مأمور باتباع المفتي وتصديقه، مع أنه ربما يخبر عن ظنه، فالذي يخبر بالسماع الذي لا يشك فيه أولى بالتصديق، والكذب والغلط جائزان على المفتي كما على الراوي، بل الغلط على الراوي أبعد، لان كل مجتهد وإن كان مصيبا فإنما يكون مصيبا، إذا لم يقصر في إتمام النظر، وربما يظن أنه لم يقصر ويكون قد قصر، وهذا على مذهب من يجوز تقليد مقلد الشافعي رحمه الله إذا نقل مذهبه أوقع لأنه يروي مذهب غيره فكيف لا يروي قول غيره؟ فإن قيل: هذا قياس لا يفيد إلا الظن، ولا يجوز إثبات الأصول بالظن والقياس، والعمل بخبر الواحد أصل، كيف ولا ينقدح وجه الظن، فإن المجتهد مما يضطر إليه ولو كلف آحاد العوام درجة الاجتهاد تعذر ذلك، فهو مضطر إلى تقليد المفتي؟ قلنا: لا ضرورة في ذلك، بل ينبغي أن يرجع إلى البراءة الأصلية، إذ لا طريق له إلى المعرفة، كما وجب على المفتي بزعمكم إذا بلغه خبر الواحد أن يرد الخبر فيرجع إلى البراءة الأصلية إذا تعذر عليه التواتر، ثم نقول: ليس هذا قياسا مظنونا، بل هو مقطوع به بأنه في معناه، لأنه لو صح العمل بخبر الواحد في الأنكحة لقطعنا به في البياعات ولم يختلف الامر باختلاف المروي وهاهنا لم يختلف إلا المخبر عنه، فإن المفتي يخبر عن ظن نفسه، والراوي عن قول غيره، كما لم يفرق في حق الشاهدين بين أن يخبرا عن أنفسهما أو عن غيرهما إذا شهدا على عدالة غيرهما، أو يخبرا عن ظن أنفسهما العدالة في غيرهما الدليل الرابع: قوله تعالى: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * (التوبة: 221) فالطائفة نفر يسير كالثلاثة، ولا يحصل العلم بقولهم، وهذا فيه نظر، لأنه إن كان قاطعا فهو في وجوب الانذار لا في وجوب العمل على المنذر عنه اتحاد المنذر كما يجب على الشاهد الواحد إقامة الشهادة، لا ليعمل بها وحدها لكن إذا انضم غيرها إليها، وهذا الاعتراض هو الذي يضعف أيضا التمسك بقوله تعالى: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) * (البقرة: 951) وبقوله صلى الله عليه وسلم: نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها الحديث وأمثالهما، ثم