ثبت قبول قول الآحاد مع أنه لا يفيد العلم، فاشتراط العدد تحكم لا يعرف إلا بنص أو قياس على منصوص، ولا سبيل إلى دعوى النص، وما نقل الصحابة من طلب استظهار فهو في واقعتين أو ثلاث لأسباب ذكرناها، أما ما قضوا فيه بقول عائشة وحدها وقول زوجات رسول الله (ص)، وقول عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وغيرهم، فهو خارج عن الحصر، فقد علمنا قطعا من أحوالهم قبول خبر الواحد، كما علمنا قطعا رد شهادة الواحد، وإن أخذوا من قياس الشهادة فهو قياس باطل إذ عرف من فعلهم الفرق، ولم لا يقاس عليه في شرط الحرية والذكورة، واشترط في أخبار الزنا أربعة، وفيما يتعلق برؤية الهلال، وشهادة القابلة واحد، والمصير إلى ذلك خرق للاجماع، ولا فرق إن وجب القياس. الشرط الثاني:
وهو الأول تحقيقا، فإن العدد ليس عندنا من الشروط، وهو التكليف، فلا تقبل رواية الصبي لأنه لا يخاف الله تعالى، فلا وازع له من الكذب، فلا تحصل الثقة بقوله، وقد اتبعوا في قبول الشهادة سكون النفس وحصول الظن، والفاسق أوثق من الصبي، فإنه يخاف الله تعالى وله وازع من دينه وعقله، والصبي لا يخاف الله تعالى أصلا، فهو مردود بطريق الأولى، والتمسك بهذا أولى من التمسك برد إقراره، وإنه إذا لم يقبل قوله فيما يحكيه عن نفسه، فبأن لا يقبل فيما يرويه عن غيره أولى، فإن هذا يبطل بالعبد، فإنه قد لا يقبل إقراره وتقبل روايته، فإن كان سببه أنه يتناول ملك السيد وملك السيد معصوم عنه، فملك الصبي أيضا محفوظ عنه لمصلحته، فما لا يتعلق به قد يؤثر فيه قوله، بل حاله حتى يجوز الاقتداء به اعتمادا على قوله أنه ظاهر، وعلى أنه لا يصلي إلا طاهر، لكنه كما يجوز الاقتداء بالبر والفاجر فكذلك بالصبي والبالغ، وشهادة الفاسق لا تقبل والصبي أجرأ على الكذب منه، أما إذا كان طفلا مميزا عند التحمل، بالغا عند الرواية، فإنه يقبل، لأنه لا خلل في تحمله ولا في أدائه، ويدل على قبول سماعه إجماع الصحابة على قبول خبر ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير وغيرهم من أحداث الصحابة، من غير فرق بين ما تحملوه بعد البلوغ أو قبله، وعلى ذلك درج السلف والخلف من إحضار الصبيان مجالس الرواية، ومن قبول شهادتهم فيما تحملوه في الصغر، فإن قيل: فقد قال بعض العلماء، تقبل شهادة الصبيان في الجنايات التي تجري بينهم، قلنا: ذلك منه استدلال بالقرائن، إذا كثروا وأخبروا قبل التفرق، أما إذا تفرقوا فيتطرق إليهم التلقين الباطل، ولا وازع لهم فمن قضى به، فإنما قضى به لكثرة الجنايات بينهم ولمسيس الحاجة إلى معرفته بقرائن الأحوال، فلا يكون ذلك على منهاج الشهادة. الشرط الثالث: أن يكون ضابطا، فمن كان عند التحمل غير مميز أو كان مغفلا لا يحسن ضبط ما حفظه ليؤديه على وجهه فلا ثقة بقوله، وإن لم يكن فاسقا. الشرط الرابع: أن يكون مسلما، ولا خلاف في أن رواية الكافر لا تقبل، لأنه متهم في الدين، وإن كان تقبل شهادة بعضهم على بعض عند أبي حنيفة، ولا يخالف في رد روايته، والاعتماد في ردها على الاجماع المنعقد على سلبه أهلية هذا المنصب في الدين وإن كان عدلا في دين نفسه، وهو أولى من قولنا الفاسق مردود الشهادة، والكفر أعظم أنواع الفسق، وقد قال تعالى: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا) * (الحجرات: 6) لان الفاسق متهم لجرأته على المعصية، والكافر المترهب قد لا