كالقول، وهذا الاحتمال ينقطع بذكر سبب العدالة، وما ذكرناه تفريع على الاكتفاء بالتعديل المطلق، إذ لو شرط ذكر السبب لشرط في شهادة البيع والنكاح عد جميع شرائط الصحة، وهو بعيد، فإن قيل: لعله عرفه عدلا ويعرفه غيره بالفسق؟ قلنا: من عرفه لا جرم لا يلزمه العمل به، كما لو عدل جريحا. الرابعة: أن يحكم بشهادته، فذلك أقوى من تزكيته بالقول، أما ترك الحكم بشهادته وبخبره فليس جرحا، إذ قد يتوقف في شهادة العدل وروايته لأسباب سوى الجرح، كيف وترك العمل لا يزيد على الجرح المطلق، وهو غير مقبول عند الأكثرين، وبالجملة: إن لم ينقدح وجه لتزكية العمل من تقديم أو دليل آخر فهو كالجرح المطلق.
الفصل الرابع في عدالة الصحابة رضي الله عنهم والذي عليه سلف الأمة وجماهير الخلف أن عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيهم، إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك مما لا يثبت فلا حاجة لهم إلى التعديل، قال الله تعالى: * (بصير) * (آل عمران: 011) وقال تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) * (البقرة: 341) وهو خطاب مع الموجودين في ذلك العصر، وقال تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) * (الفتح: 81) وقال عز وجل: * (والسابقون الأولون) * (التوبة: 100) وقد ذكر الله تعالى: المهاجرين والأنصار في عدة مواضع، وأحسن الثناء، عليهم، وقال (ص): خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، وقال صلى الله عليه وسلم: لو أنفق أحدكم ملء الأرض ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله اختار لي أصحابا وأصهارا وأنصارا فأي تعديل أصح من تعديل علام الغيوب سبحانه وتعديل رسول الله (ص)، كيف ولو لم يرد الثناء لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم في الهجرة والجهاد وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والاهل في موالاة رسول الله (ص) ونصرته، كفاية في القطع بعدالتهم، وقد زعم قوم أن حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث، وقال قوم حالهم العدالة في بداية الامر إلى ظهور الحرب والخصومات ثم تغير الحال وسفكت الدماء، فلا بد من البحث، وقال جماهير المعتزلة: عائشة وطلحة والزبير وجميع أهل العراق والشام فساق بقتال الإمام الحق، وقال قوم من سلف القدرية: يجب رد شهادة علي وطلحة والزبير مجتمعين ومفترقين، لان فيهم فاسقا لا نعرفه بعينه، وقال قوم: نقبل شهادة كل واحد إذا انفرد، لأنه لم يتعين فسقه، أما إذا كان مع مخالفه فشهدا ردا إذ نعلم أن أحدهما فاسق، وشك بعضهم في فسق عثمان وقتلته، وكل هذا جراءة على السلف على خلاف السنة، بل قال قوم: ما جرى بينهم ابتنى على الاجتهاد وكل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد والمخطئ معذور لا ترد شهادته، وقال قوم: ليس ذلك مجتهدا فيه، ولكن قتلة عثمان والخوارج مخطئون قطعا، لكنهم جهلوا خطأهم وكانوا متأولين، والفاسق المتأول لا ترد روايته، وهذا أقرب من المصير إلى سقوط تعديل القرآن مطلقا، فإن قيل: القرآن أثنى على الصحابة، فمن الصحابة من عاصر رسول الله (ص) أو من لقيه مرة أو من صحبه ساعة أو من طالت صحبته وما حد