بيان ذلك أنه بعد فرض كون حجية خبر الثقة مرتكزة في أذهان العقلاء لو تكلم أحدهم مع الآخر، وقال لا يجوز، أو لا يحسن العمل بغير العلم، أو لا ينبغي نقض اليقين بغير اليقين مثلا، يفهم السامع من كلام هذ المتكلم أن المراد من العلم أعم من الجزم وما هو بمنزلة عندهم.
والمفروض أن حجية قول الثقة مفروغ عنها عند المتكلم والسامع لكونها من العقلاء. والقضايا الصادرة عن أحدهما - الملقاة إلى الآخر التي حكم فيها على موضوع العلم - محمولة على ما هو العلم بنظرهم وفى حكمهم.
وعلى هذا نقول: ان تكلمات الشارع مع العرف والعقلاء حالها حال تكلمات بعضهم مع الآخر، لأنه بهذه الملاحظة بمنزلة أحد من العرف، ومن هذه الجهة تحمل الأحكام الشرعية الواردة في القضايا اللفظية على المصاديق العرفية.
وحينئذ نقول: نهى الشارع عن العمل بغير العلم - بنظر العرف والعقلاء - محمول على غير صورة الاطمينان والوثوق الذي فرض كونه عنده بمنزلة العلم. نعم لو أراد الشارع العمل بغير العمل بغير العلم بنظر العرف والعقلاء، فالواجب أن يعلمهم بلفظ دال عليه صريحا، كأن يقول يحرم عليكم العمل بالاطمينان أو مثل ذلك. هذا محصل الكلام في المقام، وعليك بالتأمل التام.
واستدل شيخنا المحقق الخراساني - دام بقاه - على عدم صلاحية الأدلة المذكورة للردع بلزوم الدور لو كانت رادعة. وبيانه أن رادعية تلك الأدلة تتوقف على وجوب اتباعها مطلقا، حتى في موارد خبر الثقة، وهو يتوقف على عدم حجيته. كيف؟ ولو كان حجة لكان واردا أو حاكما عليها، فلو كان خبر الثقة غير حجة بواسطة كونها رادعة، للزم الدور، لتوقف رادعيتها على عدم حجية خبر الثقة المتوقف على رادعيتها، فلا تكون تلك