صدور ذات اللفظ الموضوع، أو هو مع قيد خلوه عن القرينة الصارفة؟ فعلى الأول وجود القرينة من قبيل المعارض، على الثاني لعدمها دخل في انعقاد الطريق على إرادة المعنى الظاهر، كما أنه لوجودها دخل في انعقاد الطريق على إرادة المعنى الغير الظاهر.
إذا حفظت ذلك فاعلم أن اعتبار الظهور الثابت للكلام - وان شك في احتفافه بالقرينة - مما لا اشكال فيه في الجملة كما تأتى الإشارة إليه. وأما كون ذلك من جهة الاعتماد على أصالة الحقيقة - كي لا يرفع اليد عنها حتى في صورة وجود ما يصلح للقرينية - فغير معلوم، وإن كان قد يدعى أن بناء العقلاء على الجري على ما يقتضيه طبع الأشياء، ما داموا شاكين في ثبوت ما أخرجها عن الطبيعة الأولية. ومن ذلك بناؤهم على صحة الأشياء عند شكهم في الصحة والفساد، لان مقتضى طبع كل شئ ان يوجد صحيحا، والفساد يجئ من قبل امر خارج عنه. ولعله من هذا القبيل القاعدة المسلمة عندهم: (كل دم يمكن ان يكون حيضا فهو حيض) فان مقتضى طبع المرأة ان يكون الدم الخارج منها دم حيض، وغيره خارج عن مقتضى الطبع.
وعلى هذا نقول ان مقتضى طبع اللفظ الموضوع أن يستعمل في معناه الموضوع له، لان الحكمة في الوضع تمكن الناس من أداء مراداتهم بواسطة الألفاظ، فاستعماله في غيره انما جاء من قبل الامر الخارج عن مقتضى الطبع، لكن الانصاف أن هذا البناء من العقلاء انما يسلم في مورد لم تحرز فيه كثرة الوقوع على خلاف الطبع واستعمال الألفاظ في معانيها المجازية - ان لم نقل بكونه أكثر من استعمالها في المعاني الحقيقية بمراتب - فلا أقل من التساوي، فلم يبق الطبع الأولى بحيث يصح الاعتماد عليه.