لترجيح الأقرب إلى مطابقة الواقع في نظر الناظر، وليس للسبب الخاص دخل فيه.
و (منها) - تعليقه (عليه السلام) الاخذ بالمشهور بقوله: فان المجمع عليه لا ريب فيه، فإنه - بعد القطع بان ما يرويه المشهور لا يصير مما لا ريب فيه واقعا، والا كان غيره مقطوع الخلاف، ولم يمكن فرضهما مشهورين - يجب ان يكون المراد - من قوله فان المجمع عليه لا ريب فيه - أنه كذلك بالإضافة إلى غيره، فيستفاد من التعليل المذكور قاعدة كلية، وهي ان كل خبر يكون مما لا ريب فيه بالإضافة إلى معارضه يؤخذ به.
و (منها) - تعليلهم (عليهم السلام) لتقديم الخبر المخالف للقوم، بان الحق والرشد في خلافهم، فإنه يدل على وجوب ترجيح كل ما كان معه امارة الحق والرشد.
هذا وفي الكل نظر، لان الترجيح بالصفات قد عرفت حاله، وكذا الترجيح بالأشهرية. واما الترجيح بمخالفة القوم والتعليل بان الرشد في خلافهم، فلا يدل إلا على أن الخبر الذي يكون معه هذا المرجح يؤخذ به، لكونه معه أقرب إلى الواقع واقعا وفي نظر الشارع، لا لكونه أقرب في نظر الناظر، ولو جعل الشارع عند التعارض الخبر الذي يخالف القوم حجة لعلمه بأنه غالب الوصول إلى الواقع دون غيره، فكيف يصح لنا التعدي منه إلى كل خبر يكون معه شئ يرجح في نظرنا مطابقته للواقع، مع عدم العلم بالغلبة التي صارت موجبة لجعل الشارع هناك؟ مثلا إذا جعل الشارع خبر الثقة لنا حجة، وان كنا نقطع بأن جهة حجيته كونه طريقا إلى الواقع وموصلا إليه في الغالب، لكن لا يصح لنا ان نعمل بكل ما يفيد الظن لنا، لان ملاك حجية خبر الثقة وان كان غلبة الوصول، لكن وجوده في الظن الحاصل لنا من سبب آخر غير معلوم.
ومن هنا يظهر ان الأقوى - بناءا على الاخذ بالمرجحات - الرجوع - فيما لم يكن هناك إحدى المرجحات المنصوصة - إلى اطلاق التخيير إن تمت دلالة الأدلة الدالة على التخيير، والا فإلى الأصل.