إذا عرفت هذا، فنقول: إن كل دليل يكون متعرضا للحكم المستفاد من الدليل الآخر، وإن لم يكن بلسان ته نزيل الموضوع، فهو مقدم عليه عند العرف، وان لم يكن أخص، بل كانت النسبة بينهما عموما من وجه، كما إذا قال المتكلم أكرم العلماء، ثم قال في مجلس آخر: لم احكم أولا احكم باكرام الفاسق قط (128) فانا نرى أن أهل العرف يجعلون الكلام الثاني قرينة على الأول، ويحكمون أن المراد من العلماء العدول منهم، مع كون النسبة بين الكلامين عموما من وجه. وان لم يكن الثاني بمدلوله اللفظي شارحا للكلام الأول، ولذا لو لم يكن الأول أيضا، لكان الثاني تاما في مفاده. ولعل السر في ذلك أن مدلول قول المتكلم أكرم العلماء ليس الا جعل ايجاب متعلق باكرام العلماء. وأما أن وجوب اكرام كل فرد منهم مراد للمتكلم، فهو مفهوم آخر غير المفهوم الأول من القضية.
نعم يحكم السامع - بملاحظة عموم اللفظ، وعدم صدور شئ من ناحية المتكلم يدل على عدم كون فرد خاص موردا للايجاب - بان وجوب اكرام ذلك الفرد مراد أيضا.
وبعد ما صدر من ناحيته لفظ يدل بمدلوله المطابقي على عدم صدور هذا الحكم منه، وإن لم يكن هذا اللفظ شارحا للفظ الأول، بل يكون حاكيا عن نفس الامر، فلا يبقى مجال للاخذ بأصالة العموم في الكلام الأول.
نعم لو كان الكلام الثاني غير متعرض للحكم بمدلوله الأولى، بل يدل على جعل الحكم المنافى، كقول المتكلم لا تكرم الفساق، فلا بد من التعارض بين الكلامين في مورد الاجتماع، لأنه كما أن كون اكرام العالم الفاسق مرادا للمتكلم ليس مدلولا أوليا لقضية أكرم العلماء، بل يحكم السامع بذلك من جهة
____________________
(128) الظاهر أن ذلك الكلام أيضا ناظر إلى الاحكام المجعولة سابقا، أو ما يريد أن يجعلها بعد، فإنه لو لم يجعل حكم قبل تلك القضية ولا بعدها، لكان لغوا.