وحيث لم يتميز المخالف من الموافق، يلزم التوقف والرجوع إلى مقتضى الأصل، وهو يختلف بحسب المقامات، لان الخبرين إن كانا مثبتين للتكليف، فان أمكن الاختيار يجب، لان مضمون أحدهما مجعول في حقه، بمقتضى سببية الخبر المخالف للواقع، وإلا فالتخيير. وإن لم يكونا مثبتين، بل كان أحدهما مثبتا والآخر نافيا، فمقتضى الأصل البراءة، لاحتمال كون النافي مخالفا للواقع وموجبا لانقلاب الواقع إلى مؤداه.
هذا في صورة العلم بمطابقة أحد الخبرين المتعارضين للواقع. واما في صورة الجهل، فالواقع لا يخلو إما ان يكون كذلك، فالحكم ما عرفت. وإما ان يكون كلاهما مخالفا للواقع، فاللازم سقوط كليهما عن الأثر. مثلا لو كان حكم الواقعة الإباحة، فدل أحد الخبرين على الوجوب، والآخر على الحرمة، فما دل على الوجوب يقتضى احداث مصلحة تامة في فعل ذلك الشئ، وما دل على الحرمة يقتضى ذلك في تركه. وحيث لا يمكن الجمع بين ايجاب شئ وتحريمه يلغى السببان.
هذا بناءا على السببية بالمعنى الأول. نعم على الوجه الثاني، فالامر كما
____________________
(141) لا يبعد أن يقال إن الموافق على هذا القول أيضا يؤثر في تنجيز الواقع وعدم انقلابه، ففي مورد التعارض يطارد المخالف حيث أنه يقتضى الانقلاب، وهو يقتضي عدمه، فيسقط كلاهما عن الأثر، فيبقى الواقع سليما، بحيث لو كان معلوما بالاجمال لأثر العلم أثره: من الاحتياط مع الامكان، والتخيير مع عدمه، وإن كان أحد الخبرين نافيا للتكليف. وكذلك لو لم نقل بتأثير الموافق، لكن قلنا بعدم تأثير المخالف، مع وجود الموافق، ولو من جهة تقييد أدلته - كما ادعى - بانصراف ونحوه.